نشرت شركة «أودي» إعلانًا ترحب من خلاله بالنساء السعوديات خلف مقود السيارة، إعلانًا مؤثرًا في الواقع وهو يرينا سيدة جميلة تضع وشاحًا أسود رقيقًا على منتصف رأسها ثم تخرج بصحبة زوجها من غرفتهما لتمر معه بين أروقة بيتهما الفخم الذي يقوم الزوج بفتح كل أبوابه التي تصادفهما أمام زوجته، ليُختتم بحركة نسوية والمرأة تدفع بنظرة من عينيها تجاه زوجها ثم تفتح له باب سيارة الراكب، فيما يشبه الأمر أن يجلس هو على هذا الكرسي، ثم تنتهي إلى الجلوس أمام المقود رافعة ذقنها بإصرار لتنطلق بسرعة وثبات إلى الأمام. مؤثر هو الإعلان، ويبدو نسوي النكهة إلى حد ما، فالإعلان يربط قيادة السيارة بالدور القيادي الجديد للمرأة في المملكة ولفتح أبواب جديدة أمامها. إلا أن الإعلان ينبض بطبقية تهمش الرسالة النسوية وتشكل خطرًا كبيرًا على مفهوم تحرير المرأة، تلك الطبقية التي لا تفتأ ترتبط بكل مفهوم لتحرير المرأة وبكل محاولة لحل مشكلاتها، التي هي مشكلات تبدو أحيانًا بعيدة فعليًا بنوعيتها وطبيعتها عن الواقع الحياتي اليومي للمرأة العادية في الوطن العربي.
أتفهم طبعًا أن شركة «أودي» هي أساسًا شركة تصنع للطبقة العليا، وأتفهم ضرورة توجيه رسالتهم إلى فئة الزبائن التي تعنيهم، إلا أنني لا ولن أتفهم إذا ما تم استخدام النسوية كجانب في الإعلان، فالإشارة إلى قضية المرأة ليست بالإشارة السهلة، وصياغة رسالة حول تحريرها يمكن أن تكون أكثر الرسائل الأيديولوجية تعقيدًا وخطورة. إن قيادة المرأة السعودية هي علامة تحريرية فارقة للمرأة، إلا أنها كذلك خصيصًا للمرأة المتوسطة والفقيرة الطبقة، تلك التي تحتاج لأن تسافر لعملها أحيانًا بالساعات والتي لهذا السبب تقع تحت رحمة هذا وذاك من أهلها أومن الغرباء في سبيل توصيلة لمقر كسب عيشها. القيادة في السعودية سوف تغير كثيرًا من الجوانب الاقتصادية السعودية، وستؤثر إيجابًا عظيمًا على مدخول الدولة، إلا أنها كذلك ستؤثر كثيرًا على الحالة المادية للمرأة من حيث تمكينها، ليس فقط من الوصول الآمن لعملها، ولكن من اتخاذ أكثر من وظيفة كذلك إذا ما دعت الحاجة، ومن قضاء مشاويرها الصغيرة التي عادة ما تكون كلفتها مضاعفة بسبب احتياجها إلى سيارة بسائقها.
كان يمكن للشركة أن ترسل الرسالة التحريرية ذاتها ولكن بطعم طبقي أقل، موضوع المرأة لا يحتمل هذا الاستفزاز والتعالي. يكفي أن المرأة بحد ذاتها غير قادرة على التوحد مع بنات جنسها بسبب هذه التفرقة الطبقية التي تتداخل وتتشابك بشكل معقد مع هويات مفرقة أخرى، كالهوية العرقية والهوية الأسرية والهوية الدينية وغيرها. فنادرًا ما تشير «نحن النساء» التي تنطقها المرأة إلى النساء بوجه عام، المرأة في الواقع نادرًا ما تشمل العاملة في منزلها في جملتها هذه «نحن النساء»، فهي قد تشير إلى «نحن النساء المسلمات» أو «نحن النساء الغنيات» أو «نحن النساء اللواتي ينتمين لهذه العائلة أو لهذه القبيلة». أما «نحن النساء» الخالصة فتلك عسيرة التشكيل والإعراب، وإعلان مثل المذكور أعلاه لا يؤدي إلا إلى تعميق الهوة وتكريس الاختلافات والتباينات، هذا بخلاف إغفاله الساذج للأغلبية النسائية التي ستجلس أمام المقود صباح كل يوم، دون أن تمر في أروقة بيت فخم، ودون أن يفتح لها الباب زوج ثري، ودون أن تلفلف جسدها بعباءة حريرية باهظة الثمن.
ربما يرى البعض مبالغة في هذا الطرح، ولكن إلى أن تكون امرأة من طبقة وسطى أو فقيرة، وإلى أن تعاني أو تشهد معاناة غيرك عن كثب، وإلى أن تختبر القلق والخوف والصراع في البيت وفي العمل والشارع، وفي المركز التجاري والحديقة العامة، وفي كل مكان تذهب إليه محملًا بأنوثتك وكأنها-هذه الهِبة-حمل ثقيل على كتفيك، وإلى أن تعيش الظروف وتشعر وتستشعر، فلن تستطيع أن تطلق حكمًا وتقييمًا حقيقيين عادلين، ولن تستطيع أن تستشعر مدى أذى وتعالي إعلان مثل ذاك المذكور، وإنك لن تستطيع أن تقدر مدى خطورة كل أو أي رسالة تهدف للتعامل مع القضية النسوية. وإلى أن تضع قدميك يومًا واحدًا في خُفي امرأة، فإنك لن تخرج من مقالي هذا سوى بخفي حنين.