قبل أيام من يوم 8 مارس/آذار والذي هو يوم المرأة العالمي، أعلنت بورصة الكويت تجاوبها مع إتفاق بورصات العالم على قرع الأجراس صباح يوم 8 مارس إحتفاءً بالمرأة ومسيرتها النضالية وتأكيداً على مساواتها بالرجل.
قامت بعدها قائمة الإسلاميين في الكويت والذين احتجوا على هذه الإشارة التي تحتفي بما يخالف الشريعة الإسلامية، حيث أكد بعضهم وبصريح العبارة أن لا مساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام. لم تكن الفكرة في حد ذاتها هي المثيرة بل كان التعبير عنها بهذه الصراحة وتلك المباشرة وفي هذا الزمن الذي يرى طفرة فكرية حول مفاهيم حقوق الإنسان والتي تعدت تماماً النقاش البدائي حول مفهوم مساواة الرجل والمرأة، كان ذلك هو المثير فعلاً.
لا أدري إن كان هؤلاء وأمثالهم المهيمنون على الشارع العربي الإسلامي المحافظ والذين يعلنون بأن الشريعة الإسلامية لا تساوي بين الرجل والمرأة، بأن لا ولاية للمرأة، أن المرأة في معظمها إن لم تكن كلها عورة، أن مكان المرأة البيت، أن على المرأة القبول بتعديد الزوج لنسائه وأن تكون متسامحة مع هذا المنطق إن لم تشجعه، أن للمرأة نصف شهادة ونصف ميراث، أن للرجل حق ضرب زوجته، أن للرجل حق الطاعة، أن للرجل حق التطليق، أن المرأة من ضمن مبطلات الصلاة، ثم أن مكافأة الرجل في الجنة هي نساء ومزيد من النساء بينما مكافأة المرأة في الجنة هي زوجها، أن أكثر أهل النار النساء، أقول لا أدري إن كان هؤلاء المؤمنون بهذا الفكر والمعلنون له مهتمين بإجتذاب المرأة للإسلام، مهتمين بمدى قناعتها بدينها، بشعورها بالعدل والأمان في ظل هذا الدين. هل يعتقد هؤلاء أن المرأة مكسب للدين كما الرجل؟ هل يرون ضرورة لتسويق المفهوم الديني لها أم يرونها مجرد تابع ستكون على دين أي رجل في محيطها؟ لو كان أي من هؤلاء إمرأة، هل كان ليبتغي الإسلام ديناً في ظل هذا الفهم وهذه التفاسير والتشريعات؟ لو كان لأي منهم أن يختار، هل كان ليختار أن يولد إمرأة تعيش في ظل هكذا تشريع ديني؟
فلسفياً الفكرة بسيطة ومباشرة، لم تختر أي إمرأة أن تولد إمرأة، ليس من سبب منطقي يقنعها بتحمل قدرها الملجوم الى يد الرجل، ليس من العدل أن يطلب منها أن تحتمل إنقيادها وإنتصافها وإنقهارها فقط لأنها إمرأة، إمرأة لم تختر جنسها. لماذا يهمل المشرع الديني هذه الفكرة البسيطة؟ نعلم طبعاً أن المشرع كان دوماً وعلى مدى العقود الماضية رجلاً، وعليه فإن الفهم والتشريع والتفسير كلها تأخذ جانب الرجل، تنحاز لمصالحه ورغباته وتحرص على إجتذابه دنيا وآخرة، الا أن هذا السبب على وضوحه ومباشرته لا يزال غير كاف لتبرير هذا الإهمال الواضح للمرأة عند محاولة تفسير وفهم النصوص الشرعية، فحتى لو أخذت على المشرع أنانيته وحرصه على مصلحته، لا بد له أن يرى كيف أن إهمال نصيب المرأة ستكون له عواقب وخيمة. فمن تسكت اليوم لن تسكت حفيدتها غداً، ومن تقبل بالفهم الحالي على أنه قدرها واختبارها في هذه الدنيا اليوم لن تقبل بذات هذه التفسيرات الساذجة حفيدتها غداً، ومن تقنع بزوجها جائزتها الوحيدة في الجنة اليوم، لن تقبل به حفيدتها غداً، والتي ستصرخ متساءلة عن حقها الأخروي، عن ثوابها المستحق على كل معاناتها الدنيوية.
كيف نسي المشرع أن يقرأ بعين الرسل الذين يفترض أنهم أٌرسلوا إرساءً لقواعد العدل والمساواة، وبروح من الرحمن الذي يفترض أنه لا يعاقب إنساناً على ما لم يختر ولا يفرق بين خلقه على أساس جنس أو عرق أو لون؟ كيف تستطيعون أن تنطقوها أن «لا توجد مساواة بين الجنسين في الإسلام»، كما كان البيض في ذات زمن يعلنون أن لا مساواة في القدرات العقلية بين البيض والسود في الحياة، في وجه الجنس المضحي المعاني المنكوب، ذاك الذي لم يختر جنسه والمطلوب منه أن يتحمل ويصبر ويصابر، والمتوقع منه أن يفوّت النزوات والشهوات وأن يغفر الرغبات التي لا بد لها أن تُغفر وسبل إرضائها الشرعية متوافرة، الجنس الذي ينال أنصاف الحظوظ وأضعاف المهام، الجنس الذي لا حظ له في دنيا لا ولاية له فيها ولا حتى على نفسه ولا حظ له في آخرة كل متعها تفسرت لترضي الرجل بشهواته وأنَاته، الجنس الحبيس «عورته» وبيته وقوامة الرجل عليه وأمومته وواجباته وقيم مجتمعه وشرف عائلته، الجنس الذي تلعنه الملائكة إذا ما لم يرضخ لشهوات مالكه، الجنس الموعود لأن يكون هو أكثر أهل النار؟ كيف إستطعتم، رغم كل هذه المعاناة والتضحيات والمسؤوليات، رغم تاريخ القهر والقمع، أن تقولوها هكذا بلا حياء، بلا حتى شيء من الرياء أمام العالم يغسل وجه أنانيتكم وتضخم ذكورتكم التي أعمت منكم كل بصيرة؟ ألا تستحون؟