قامت لجنة الحريات الفردية والمساواة في تونس والتي أمر رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي بتشكيلها بتقديم تقرير ثوري لرئيس الجمهورية يرفع سقف الآمال والتوقعات والمطالبات لمستوى إنساني رفيع لربما سيضع تونس على مصاف الدول المتقدمة الرائدة في هذا المجال، حيث يدفع بالحقوق الإنسانية وبمفاهيم العدل والمساواة واحترام الحريات خطوات شاسعة للأمام، ستأخذ تونس بلا شك وحال تنفيذها الى مقدمة الصفوف الإنسانية المتحضرة.
يشير التقرير في مقدمته الى الخطوات الرائدة التي اتخذتها تونس إصلاحياً وخصوصاً في ما يتعلق بمجلة (أي قانون) الأحوال الشخصية وهي الإصلاحات «التي حررت المرأة من الممارسات المهينة لكرامتها، فألغت حق الولي في جبر المرأة على الزواج، واعترفت لها بأهلية الزواج وحرية إختيار الزوج، ومنعت تعدد الزوجات، وأنهت العمل بالتطليق وعوّضته بطلاق قضائي يستوي فيه الزوجان ويضمن حقوقهما ويحفظ المصلحة الفضلى لأطفالهما. كما تعززت هذه المكتسبات بما أدخل على مجلة الأحوال الشخصية من تحويرات خاصة بقانون 12 يوليو/تموز 1993 الذي حرّر الزوجة من واجب الطاعة الذي كانت تدين به لزوجها وعوّضه بواجب الإحترام المتبادل بين الزوجين». ويؤكد التقرير أن آخر تنقيح لـ «مجلة الأحوال الشخصية» والذي «استهدف التمييز ضد المرأة قد مرّت عليه أكثر من عشر سنوات» عائداً لسنة 2007، «في حين ترجع آخر القوانين التي رفعت بعضاً من مظاهر التمييز ضد المرأة الى 1 ديسمبر/كانون الأول 2010 تاريخ إرساء المساواة بين الأب والأم التونسيين في إسناد جنسيتهما الى أبنائهما، و23 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 تاريخ الإعتراف للأم سلطات الأب نفسها بخصوص سفر أبنائهما. ولا يغيّر في هذه الملاحظة صدور قانون 11 أغسطس/آب 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة لأنه، وعلى أهميته، جاء فقط بإجراءات وتدابير لتدعيم حماية المرأة من العنف من دون أن يأتي بحلول لرفع التمييز في الحقوق بينها وبين الرجل»، حيث يقر التقرير بأنها «إذن لمدة طويلة من السكون التشريعي على مقاومة التمييز ضد المرأة». كما وتشير المقدمة إلى أن العديد من الحريات الفردية بقيت منسية كذلك وأنه قد حان الوقت لدخولها «للمنظومة القانونية التونسية» حيث، ولأجل هذا الغرض جاءت المبادرة تلك «لإرساء مشروع إصلاح كامل . . . هو مشروع لكل التونسيات والتونسيين».
ولقد إختصرت الصحافية التونسية وجد بوعبدالله على «تويتر» بعض ما جاء في هذا التقرير حيث عدّدت بعض أهم النقاط الواردة فيه مثل إلغاء عقوبة الإعدام، إلغاء تحريم المثلية الجنسية، السجن ثلاثة أشهر لمن يعتدي على سرية الحياة الخاصة للآخرين، رفع القيود الدينية على الحقوق المدنية، إصدار أحكام قانونية لإقرار المساواة بين الأب والأم والزوج والزوجة، المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، توحيد حقوق التونسي والتونسية المتزوجين بأجانب، منح إقامة للأجنبي المتزوج بتونسية، إلغاء المهر كشرط لإتمام الزواج، (تشير المغردة إلى أن التقرير يقول بأن المهر كمقابل للإستمتاع بجسد المرأة يحط من كرامتها)، إعفاء الأرملة من العدة (كذلك تشير المغردة لرأي التقرير بأن العدة تعتبر تمييزاً)، إلغاء «مفهوم رئاسة العائلة» للرجل، إلغاء واجب الإنفاق على الزوجة إذا كان لها مصدر رزق يغنيها، إلغاء إحتكار ولاية الأب على القاصر لتصبح الولاية مشتركة بين الأب والأم، ضرورة إنفاق الأم على الأبناء إذا كان لها مصدر دخل قادر، إمكانية إختيار لقب أحد الوالدين للمولود وليس شرطاً لقب الأب، أو وضع لقب الأب والأم معاً، إمكانية أن يضيف الراشد الى لقب الأب لقب أمه ويعمل باللقبين معاً. هذه بعض الإصلاحات المقترحة التي وردت في التقرير والتي إختصرتها الصحافية المذكورة على «تويتر» والتي هي إصلاحات ستأتي بتونس، حال تنفيذها، لمصاف الدول المتقدمة في مجالي الحقوق والحريات، معمقة الشعور بمفهوم القيمة الإنسانية عند الشعب بأكمله، الموافق على هذه التعديلات والغير موافق، ومؤكدة على أن إقرار العدل والمساواة هو واجب الدولة تجاه مواطنيها، واجب لا يقع تحت طائلة «ديمقراطية» تظلم أقلية ولا أيديولوجية تعلي جنساً على جنس أو أصلاً فوق أصل مهما بلغ العمق التاريخي لهذه الأيديولوجية أو درجة سيطرتها على المجتمع.
التقرير يحكي عن نفسه، والإصلاحات الواردة فيه ليست مثال إعجاب فقط بسبب قيمتها الإنسانية ودرجة تجردها من كل الإنحيازات مهما بلغت شدتها وقوتها في المجتمع، بل هي مثال إعجاب لمجرد فعل طرحها، لمجرد تسطيرها في تقرير يكتب بلغة عربية ويقدم لحكومة عربية. لقد قدّم التونسيون مثالاً، لربما الأول من نوعه، لدولة عربية تحتفظ بهويتها الإسلامية ولكنها آخذة في خطوها العلماني بلا تردد وعلى غير إستحياء وبخطو واثق فخور نبيل. سيقولون كثيراً وستصم تونس آذانها إلا عن حقوق الناس، سيشوّحون بأياديهم كثيراً وستغمض تونس عينيها إلا عن إنسانية كل من يحيا على أرضها. إتسع عمري لأرى هذه الخطوة، عساه يمتد لأرى تحقيقها. التوانسة هؤلاء، ليس لهم نظير.