تحميل إغلاق

أنا الضحية والجلاد أنا

أنا الضحية والجلاد أنا

حتى أسبق الأفكار المعتادة سأقول، بالتأكيد ليس كل المسلمين عنيفين، وبالتأكيد هناك ظلم يقع على المسلمين في بقاع متعددة من الأرض، وبالتأكيد سياسات خارجية عظمى وقحة هي محفز مهم لأعمال العنف، وماذا أيضاَ؟ أوافق كل التحليلات والتبريرات، أشد على ألسنة القائلين: ليس الكل، التعميم سيئ، هي خطط عظمى، ليس ما حدث ذنب الدين، ولكن، لا بد هنا من وقفة يستدعيها تحول العنف المتأسلم من حوادث متفرقة الى ظاهرة صارخة، يشكلها ربط كل إرهاب معاصر تقريباً، وعلى ألسنة منفذيه، بالدين وبمفاهيم حمايته وبأهداف تنفيذ تشريعاته وتحقيق غايته الأخيرة: الدولة الإسلامية العظمى. لا يمكن الاستمرار في استخدام جملة «هذا ليس هو الإسلام» لنفض الذنب وإخلاء الطرف، لا يصح استخدام كلمات قليلة هي تبريرية أنانية، يبتغى منها تبرير ساحة الدين بسرعة وسهولة ولامبالاة، دون أدنى التفات لعمق المشكلة وحجم الخسائر ودفق الآلام الإنسانية المصاحب لها والناتج عنها.
مع كل حدث إرهابي، مثل تفجير الكنيسة الأخيرة في مصر، يسرع المسلمون ليُخلوا ساحة الدين قبل حتى الترحم على الموتى، قبل حتى النظر المتعمق بالدوافع، وكأن الدين هو وإياهم الضحية هنا وليس البشر المراقة دماؤهم والمهدرة حيواتهم. كل الأديان تقريباً في عمقها أتت لتتمم مكارم الأخلاق، لتحث على السلام والتعايش، الا أن الدين، كل دين، هو ابن زمانه ومكانه والقائمين عليه، هم يشكلونه بتفسيراتهم، هم يصيغون قوالبه التنفيذية بمفاهيمهم وعلمهم ودرجة منطقيتهم وعقلانيتهم. لذا، يلف ويعود ذنب الإرهاب الديني المستشري اليوم الى المسلمين أنفسهم، الى فهمهم الحالي، الى إصرارهم على الوقوف عند مفاهيم قديمة لا مفر من تطويرها وإن كانت ذات زمن مضى في عمق الفهم الديني، الى تشبثهم بحلم السيادة القديم، الى انتظارهم الذي لا يريد أن ينتهي والذي يلهمه اعتقادهم الغائر بمخلص ما يأتي في زمان ما ليعليهم ويسيدهم على الأرض، الى تقديسهم لكتب تراث لا يجب أن تقدس والى تبجيلهم لبشر حاليين وماضويين لا يجب أن يبجلوا. كل كتاب ينقد، كل بشر يُساءل، كل فكرة تُراجع، كل مفهوم يتطور، والى أن نفهم كل ذلك لأعمق عمقه، سنبقى نحن مصدر الإرهاب ومصدر الإرهاب نحن.
أعلم أن الكلام موجع، متنكراً في صورة هجوم على الدين والقائمين عليه، ولكنه في الحقيقة صادق، لا يروم سوى مراجعة مخلصة للوضع القائم، وأعلم أن الكلام يبدو غير مبالٍ بمشاعر الآخرين، وهو حقيقة كذلك، لا يروم مراعاة لمشاعر أو حماية لأحاسيس، فعندما تراق الدماء وتهدر الأرواح، يمكن لكل المشاعر برهافتها ورقة جلد أصحابها أن تذهب للجحيم. اليوم يوم محاسبة النفس والفكر والمفاهيم والأيديولوجية، لا يوم لعب دور الضحية وتعزية النفس وتبرير المواقف الذي لا ينتج عنه سوى إهانة الضحايا والاستخفاف بفقدهم والاستهانة بعظيم مصاب البشرية كلها.
إفتحوا الكتب ونقحوا القراءة المعتمدة للمفاهيم التي منها يستقي الإرهابيون إرهابهم، أعيدوا تفسير التاريخ، أقروا أن الحدث التاريخي إبن زمانه ولا يصلح لزماننا، إعترفوا أن الإيمان يتغير والمفاهيم تتغير وأثبت الثوابت تتغير كذلك حتى يُفسح المجال للقراءات الحديثة المسالمة الأكثر تواؤماً ومفاهيم حقوق الإنسان. أغلقوا الباب على من يريد أن يستغل الدين ومفاهيمه ليرتكب المجازر ويريق الدماء ويهدر الحيوات طمعاً في خمر ونساء، فالى أن ينتهي هذا التشويق وهذا الإغراء، سيبقى الدين موسوماً بشارة الإرهاب، وستبقى تعاليمه ضحية للمخططين لهذا الإرهاب. لا بد من قراءة تجديدية عميقة جريئة، لا تخاف إنساناً ولا ترتعب عقوبة إلهية، قراءة يؤمن أصحابها بأنهم ينقذون بها البشر ويرضون بها الرب، قراءة تحررنا من تفاسير وعاظ السلاطين وتفسح المجال للعقل والمنطق ليفرشا البساط الأخضر للسلام. سلام على ضحايا الكنيسة المصرية، سلام على من غدرنا بهم بسكوتنا، بجبننا، بأنانيتنا… في كل مكان.
كتاب يستحق القراءة لجوزيف سعادة

اترك تعليقاً