على عادة حكومتنا ما حاولت أن تحل مشكلة إلا ضخمتها، وما أقدمت على إصلاح إلا اعوج كل ما عداه، لدينا تضخم في أعداد الأجانب في الكويت، فهناك ما يزيد على الاثنين من الأجانب يقدمون الخدمات لكل فرد كويتي، حيث يؤدون وظائف هو لا يقبل بها، وهذا بلا شك وضع مختل، ولكن أيعالج الخلل بهذه الهجمة الشرسة على الأجانب ضبطاً، وإلقاء قبض وتسفير وكأن حرباً شعواء قد قامت بين الليلة وضحاها؟ فبين هؤلاء من قضى عمره في الكويت، يخدمها ويعايش أهلها، ليجد نفسه فجأة على أول طائرة مرحلاً إلى بلده، مهاناً مكسور الخاطر لأن سيارته قديمة، أو أوراقه ناقصة أو غير ذلك من أوهن الأسباب.
إنها ذات العادة، تترك الحكومة الأمور على حبلها الغارب، يتراكم غبار المشكلة حتى يصبح تلة ضخمة، وبعد مرور السنوات وازدياد المخالفات التي لا تصنعها سوى “الواسطات” والمحسوبيات، تأتي الحكومة لتنفخ بعزم ما فيها على التلة، فتنفث غبارها في وجوهنا، وتقوم عاصفة رملية يضيع فيها الأبرياء ويختل فيها نظام البلد، ولا يلبث أن يتراكم كل هذا الغبار القائم في بقعة أخرى، فتقوم تلة جديدة، وننتظر نحن العاصفة التالية.
اليوم، وفي الأغلب، يعاقب الضحية، ويترك الجلاد على هواه. العمالة التي “تُقتنص” كل يوم في الشوارع، هي “مجايب” ناس كبار، أسماؤهم غير خافية وطرقهم الملتوية غير مستورة، يستورد هؤلاء العمالة بالمئات، رجال ونساء يبيعون ما يملكون وما لا يملكون ليجمعوا ضريبة قدومهم إلى أرض الخير، وما إن يصلوا حتى يطلقوا في الشوارع، دون أجر أو ستر، لتقتنصهم الشرطة بعد أن تنتهي صلاحية الأوراق وكل ما في النفوس من آمال، فيعودوا إلى بلادهم خائبين، وهكذا تعاقب الحلقة الأضعف التي عادة ما تستأثر بكل العذاب والهوان.
إلا أن الحملة لا تقف عند العمالة الأضعف، اليوم هي تشمل كل الوافدين على أرض الوطن، يخبرني ابن أحد الأسر الكريمة الوافدة في الكويت أنه منذ بدء الحملة الشعواء أصبح يخاف الخروج من البيت أن يقبض عليه لارتكاب مخالفة قد لا يعلمها هو نفسه، فالمخالفات تأتي على تفصيل الموقف، وقد أصبح يكره الذهاب إلى المقهى المتواضع الذي كان يجالس فيه أصدقاءه بعد أن سُفّر معظمهم لأسباب واهية لم يعلموا بوجودها.
هذا الفتى ابن لسيدة وحفيد لجد ولدا في الكويت وخدماها في المجال التعليمي لسنوات طويلة، حتى أصبحت الأسرة تشعر أنهم أبناء هذه الأرض، إلا أن الوضع الراهن أعلمهم ألا أفضلية لهم في خدمة قدموها أو عمر قضوه، يكفي أن يكون زجاج سيارة أحدهم معتماً، أو أوراق تجديد التأمين منتهية منذ أيام ليلقى القبض عليهم ويجدوا أنفسهم عائدين إلى ديارهم، ليس محملين بالشكر والامتنان ولكن بالإهانة والمرار.
نحن مع حل مشكلة تفاقم أعداد الوافدين، لكن الحل يبدأ منا نحن الكويتيين: نجهز أجيالنا لتحمل المسؤولية، نضع خطة سليمة وعلى مدى زمني ملائم لتكويت الوظائف ورفع عدد الكويتيين مقابل الوافدين، على أن تحفظ هذه الخطة كرامة الإنسان ولا تغفل العرفان له على كل ما قدمه، وعلى أن تأتي تدريجاً حتى لتصبح طبيعية المسار لا مفتعلة وقاسية وكاسرة لكرامات الناس وظهر البلد. نلغي نظام الكفيل المهين، ننظم حياة كل العمالة الوافدة، نقف بشجاعة لكل تجار الإقامات، كل هذا دون أن ننسى أهمية وفضل وجود الوافدين بيننا، فهم من ينوعون نسيجنا، وهم من يلونون أفكارنا، وهم من ينفخون نسمة التغيير ويمرنون عقولنا على التواؤم مع المختلف، فلا صحة لمجتمع دون وافديه الذين يصنع منهم الوقت أبناء بلد بالروح والقلب والشعور.
بهذه الخطوات الجريئة والإنسانية والعملية، يمكن أن نحل المشكلة، أما ديدن الحكومة في ترك المشكلة تتفاقم ثم إعطاء أمر تعسفي لحلها في التو واللحظة يخلو كعادته من الصبر المطلوب والإنسانية المستوجبة، فلا ينتج عنه سوى المزيد من التعقيد والأذى. لقد آثرتم الفزع وغربتم الناس فوق غربتهم وآلمتم قلوباً وكسرتم كرامات أويمكن لهذا النهج أن يأتي بخير؟