هذه فترة غريبة من حياتنا، كأننا في بعد “عقلي” مختلف، الأشياء تقال وينفذ عكسها، والأشياء تنفذ ويقال ضدها، المنطق واقف على رأسه، وقدماه “تتطوطحان” في الهواء، كل الأمور مقلوبة ومعكوسة، وكأن أبعاد الدنيا تغيرت، كأننا وقعنا في حفرة “أليس” ووصلنا إلى “بلاد العجائب”.
الكويت تعلن مركزا إنسانيا عالميا وهي تعاني داخلياً قضايا إنسانية مؤلمة، سهلة الحل، عصية على المصالح والمناصب، البدون والعمالة وحقوق الأجانب لربما تتأتى لحظياً للوعي عند ذكر إنسانية حكومتنا، الحكومة تنفي وجود سجناء للرأي وسجونها تعج بالمغردين والكتّاب وصولاً إلى مسلّم البراك الذي يسجن الآن بسبب كلمات قالها، ليس فعلاً، لم يرفع سلاحاً، لم يقدم على أذية جسدية، هو قال كلاماً، مثيراً، خاطئاً، صحيحاً، بطولياً، أيا كان التصنيف، تبقى هي كلمات يسجن صاحبها، لأن، وبحسب حيثيات الحكم، حرية الرأي “تختلف عن باقي الحريات”، وذلك في بلد المركز الإنساني العالمي، ترى كيف يجتمعان؟
مسلّم البراك حليف الأمس يصبح معارضة بطولية اليوم، نسي الناس ما كان، ونسيت الحكومة ما كان، نسي الناس أبسط التعديات، استغلال البراك لنفوذه في تعيين أقربائه وأحبائه، وولاءاته وتحالفاته السابقة، وتصويتاته المتعدية، وتقاعسه عن اقتراح قوانين الحريات ومنع القوانين القمعية، نسوا تصويته الشائن الخائن للحقوق الإنسانية والحريات برفض حقوق المرأة السياسية، ونسوا عصر السلام والوئام عندما كان البراك من المقربين الأولى بالمعروف، فأصبح اليوم بطلاً ومدافعاً عن الحريات. ونسيت الحكومة سنوات الولاء، ونسيت “الطيب” ولم تحفظ للرجل تاريخا من المحاباة والموالاة، وما تذكرت سوى نقده فسددت له الحربة، كيف تحول عدو حريات الأمس إلى بطلها اليوم؟ وكيف تخلت الحكومة بسهولة عن صنيعة يديها؟ ترى كيف يجتمعان؟
كيف أصبح النواب الشيعة اليوم موالاة بعد أن كانوا يشكون الاضطهاد ويعانون التمييز سنوات طوالا؟ وكيف لم “يختضّوا” خوفاً من تحالف مع حكومة رمت موالاة الأمس وراء ظهرها دون التفاتة، ودون رمشة عين، ودون كلمة وداع؟ وها هم “الإخوان” و”السلف” قد تغير عليهم الزمان واغترب عنهم المكان، وأصبحوا على هامش الحركة السياسية بعد أن كانوا في لبها يقايضون ويساومون ويحركون ويتحالفون، فكيف أصبحوا هم في الكواليس وتصدر الميكرفون الآن النواب الشيعة مغنين مع عبدالمنعم مدبولي “ناسبنا الحكومة، وبقينا قرايب” «ومين عالحكومة حيقدر يعايب؟» ترى كيف يجتمعان؟
كيف يشتكي اليوم من ظلم قوانين الأمس من كانت هذه القوانين تحت يديه، من تأتى له تغييرها أو على الأقل الشروع في ذلك؟ لماذا لم يناقش مفهوم المساس بالذات الأميرية ولم يحدد اتساعه وعمقه؟ ولماذا لم يدحض قانوني التجمعات والمطبوعات ونحن نقبل على عصر حرية وديمقراطية لم يعد يتسنى بناء بلد حديث من دونهما؟ وكيف تتسع الحرية من تلك الفوهة فتسمح لك بالدخول وتضيق من الفوهة الأخرى فلا تخرجك إلا إلى السجن؟ ترى كيف يجتمعان؟
أين نحن وفي أي بعد كوني زمني نعيش؟