في هذا البلد، تتراكم الفضائح التعليمية، بين تصرفات شخصية وأخرى تبدو ممنهجة، كلها تتأتى من غياب النظام ومن انتظام الفوضى واللامبالاة، ومن الاتكاء الشديد على “الواسطة” التي يمكنها أن تخرجنا من أي مأزق، في هذا البلد، تتوالى فضائح المعلمين الذين يوسعون للغش باباً والمعلمات اللواتي يسخرن من تلميذاتهن وهن يلهجن بالبكاء، في هذا البلد الكل يعرف ما يحدث أكاديمياً في بعض المعاهد الفنية، وما لا يحدث في الموقع الجديد لجامعة الكويت في الشدادية، ولا شيء يحدث.
في هذا البلد، تضيع أعمارنا في طرقات لا ترحم، فسيحة حديثة ولكنها مكتظة حتى جنبيها حتى لا ترى لحارة الطوارئ طرفاً. في هذا البلد، طريقك إلى عملك الذي يستغرق 15 دقيقة تقطعه في ساعة ونصف، بدقائقها البطيئة وبذقنك ينزلق على صدرك في غفوة مريرة دفعها الملل إلى جفنيك. في هذا البلد تكاد لا تصل الى مكان، وإن وصلت تكاد لا تهبط من سيارتك، وإن هبطت تكاد لا تجد طريقة لإعادتها الى الشارع مرة أخرى، فيضيع عمرك في سيارتك ويضيع عمر سيارتك على شوارع ملتهبة متورمة بمطبات عشوائية لا ترحم، ولا شيء يحدث.
في هذا البلد، طالب الجامعة لم يسمع قط بإنسان ما قبل التاريخ، يضطر لمواجهة أليمة مع النفس عند تقديم درس عن الفنون البشرية الأولى المتمثلة برسومات الكهوف، فيقفز بسؤاله: وماذا عن سيدنا آدم؟ هو أول البشر ولم يكن هناك قبله من بشر. في هذا البلد، الطلبة حتى مرحلة الثانوية لم يدرسوا شيئاً عن بشر ما قبل التاريخ، لم يتعرفوا على نظرية داروين للتطور، التي يقوم عليها العلم الإنساني الأنثروبولوجي الحديث، إلا لربما طلبة العلمي، هؤلاء يدرسون صفحتين عن نظرية داروين وأربع صفحات لدحضها، فيأتيك الطلبة بيقين الشباب الذي أتذكره جيداً، يعتقدون أنهم أحاطوا بكل شيء علماً، ومع أول درس في تاريخ البشرية القديم تتصافق المتناقضات وتتصارع النفس، ولا شيء يحدث.
في هذا البلد، أموالنا كثيرة، بهجتنا قليلة، نعرف الناشط في عمله بأنه ذاك الذي يتكلم كثيراً على “تويتر”، ونتداول أعمالنا من خلال علاقاتنا الاجتماعية، نترقى، ننجح في الانتخابات، نتحصل على دعم، نأخذ دوراً أسرع في المستشفى، نحوز معاملة أسرع في وزارة إذا كنا نعرف فلانا الذي يعرف علاناً، ولا شيء يحدث. في هذا البلد، يرد جهاز حكومي “مهيب” مثل الجهاز المركزي على ملاحظات لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة التي تناقش تقرير الكويت حول حقوق الطفل وتقارير الظل التي قدمتها بعض الجهات الأخرى في جنيف ردوداً منقطعة النظير في… لا أدري… في “تفاؤلها”؟ حتى لا أستخدم كلمة مؤلمة أخرى، فلو لم أكن أعيش على أرض هذا الوطن وأختلط بإخوتي وأخواتي من البدون في مناطقهم المتواضعة لصدقت أنهم يحيون في جنات النعيم، ولجزمت أن مجموعة 29 هوايتها التلفيق نظراً لفضاوة عضواتها، لكنني أحيا هنا وسبق أن شاهدت بأم عيني التي سيأكلها الدود مناظر وحقائق ينكرها الجهاز على لسان السيدة إيمان الناصر بكل ثقة وأريحية، حتى إنني لتشككت في نفسي، وراجعت عيني وأذني وبقية حواسي، فإما أنها معطوبة، أو أن الجهاز يحتاج يروح الورشة، ولا شيء يحدث.
وهنا، لابد لمن يريد أن يكتشف شيئاً من الحقيقة التي أصبحت “تخرم” عين الشمس، من العودة إلى تقرير مجموعة 29 حول حقوق الطفل، ثم إلى نص حديث السيدة إيمان الناصر في اجتماع لجنة حقوق الطفل، والذي نشرته عدة صحف الأسبوع الماضي، ثم العودة إلى رد مجموعة 29 والذي نشر يوم السبت 21 سبتمر، وهو موجود بصحبة تقرير المجموعة حول حقوق الطفل على صفحتها الإلكترونية www.group29q8.org
لا بأس من تحسين وتجميل صورة الحكومة وجهازها المركزي، إنه تعاطٍ حكومي متوقع، خصوصاً أن كليهما يحتاج للكثير من مساحيق التجميل، لكن ليس إلى هذا الحد من غياب الحقائق والتعالي على الناشطين ومؤسسات العمل المدني في الكويت والتمادي في استخدام ألفاظ ما كان يجدر أن تصدر، والتفاصيل في رد المجموعة، نتمنى عودة القراء إليه.
ولكن، حتى بعد أن نقرأ، وحتى بعد أن نثبت، ولو جررنا إخواننا البدون واحداً واحداً لنستعرض حيواتهم المليئة بالغرائب والتي نتجت عن قرارات حكومية أغرب، ولو اصطحبنا الكويتيين واحداً واحداً الى بيت أم عبدالعزيز، وأم ناصر، وبيوت الإسطبلات، وخرابات الصليبية والجهراء، وبقايا مدارس هذه المناطق، ومقابر الشهداء، لو قدمنا آلاف الأوراق والصور، لو أقسمنا ونحن وقوف على أيادينا، تدرون ماذا؟ لا شيء يحدث.