لا أراني أصلح للعمل السياسي لأسباب كثيرة أحدها هو أنني، كما الفيل العنيد، لا أنسى أبداً الوقاحة السياسية والمواقف المتخاذلة مما يصعب علي لاحقاً التعامل بدبلوماسية مع ساسة لابد أن سأحتاجهم. إلى اليوم، أتذكر بوضوح مواقف الكثير من الساسة وتحديداً النواب من قضايا المرأة، هذه القضايا التي دوماً ما كانت تقع في قعر التأجيل اللزج، فتبقى بدبقها في ظلام دائم، فكل المواضيع الأخرى أولوية، إلا مواضيع المرأة، تلك دائماً قابلة للتأجيل أو حتى الإلغاء. ما زلت أتذكر، أيام العمل الحارة من أجل حقوق المرأة السياسية، أتذكر مواقف مبقعة كما العفن ومعبقة كما علبة سردين بائت. أتذكر يوم اجتمع لفيف من نواب اكفهرت وجوههم وتشعثت بتدينهم في إحدى قاعات مجلس الأمة ناعتين السيدات العاملات في مجال حقوق المرأة “بالخراتيت”، ما زلت أتذكر الجدل الذي كان يخرج من أفواه رجال قصرت دشاديشهم وطالت وتدلت ألسنتهم، ليقولوا لنساء قد تزن الواحدة منهن بعقلها عشرة من نوعياتهم إن المطبخ لا يجتمع ومجلس الأمة، وإن الأبناء هم الأسبق والزوج هو الألحق، ولا كأن هذا الرجل شاركها في صنع هؤلاء الأبناء ولا كأنه يجلس ليملأ كرشه من طعام المطبخ، فالتعاون في نظر هؤلاء هو أن يستمتع هو وتنجب هي، أن يأكل هو وتطبخ هي، فهذا هو عدل فحولة بدائية معجونة بدين متطرف لا يعرفون من خلطات الدنيا غيرهما.
نعم والله مازلت أتذكر يوم جلسة تقرير حقوق المرأة السياسية في مجلس الأمة في 2005، أتذكر أشكالهم وأنا أجلس في علياء مقاعد الحضور، يدورون كما الثعالب في قاعة عبدالله السالم، يداورون ويناورون علهم يغيرون ما يرونه قادما، أتذكر وجوههم المكفهرة، أتذكر أياديهم تضرب الهواء وأفواههم تطلق الرذاذ اللزج وهم يعملون حججهم لإثبات فشل تلك التي صنعت منهم رجالاً. أتذكر يوم كروا وفروا حتى يأخذوا وعداً بتبادل التصويت، “نصوت معكم بالموافقة على حقوق المرأة بعد أن تصوتوا معنا على الالتزام بالحدود الإسلامية”، وبعد أن صوّت المغدور بهم مع الحدود الإسلامية، انقلب هؤلاء وصوّتوا ضد الحقوق السياسية، خديعة وإهانة القرن الحادي والعشرين.
سيدتي المرأة السعودية وأنت تناضلين من أجل حق يستصغره عليك الكثيرون “يعني خلاص، خلصت مشاكلنا وما بقي غير القيادة؟” قولي نعم، خلصت مشاكلنا، فالدنيا تتوقف كلها عند طرف إصبعك وهو يضغط دواسة البنزين، عند هذا الحق البدهي الذي يجب ألا يساومك عليه أحد. سيدتي المرأة السعودية، نعرف ما تمرين به، فقد ذقناه وإن لم يصل إلى شيء من مرار ما ينزلق في جوفك. طريقك طويل ولكنه يبدأ وبكل تأكيد من هذا الحق المهم، حق حرية تنقلك، حق اختلاطك في الشارع، المكان العام الطبيعي، مع بقية البشر كما تقول الرائعة لمياء السويلم. نعرف تماماً الحرب التي تخوضينها، فالسلاح الذي يستخدمه أعداؤك وأعداء الإنسانية كيماوي خطير، ينتشر بنفخة من أفواههم المعبقة بروائح حديثهم، فإيذاء المرأة في مجتمعاتنا يسير، يكفي أن تأتي وإن تلميحاً عن أخلاقها، يكفي أن تغمز عينك وأنت تتحدث عن سلوكها، يكفي أن تلوي فمك وأنت تذكر اسمها، المحرم أصلاً، حتى تخنقها غازات حديثك وسموم تلميحاتك، سلاح بائد انتهت صلاحيته في كل المجتمعات، إلا مجتمعنا المنكوب الذي يترجرج رعباً ما إن يفتح جبان ما فمه.
سيدتي الرائعة، لا تبتئسي، فما زلنا نحن كذلك نتذكر الكثير من الأذى، أذى لم ينته حتى ننساه في كل الأحوال. ليس صحيحاً ما يقال من أن هؤلاء الرجال يعتقدون أن المرأة هي مصدر متعة فقط، بل هم خير العارفين بأنها تدير حيواتهم كاملة، إلا أن ربطهم للمرأة بالمتعة إنما هو انعكاس لطبيعة اهتماماتهم التي لا تتعدى الرغبة الجسدية ولقيمة قدراتهم التي لا تتجاوز فحولة اللحظة، ولأنهم هم ذلك ولا غير، يرون الدنيا كلها محصورة في هذه الرغبة، ويرون التشريع كله منصب عليه، ويناظرونك مصدر خطر متحرك يثير فيهم رغبات خارج نطاق تحكمهم وسيطرتهم، وتبقين أنت من يعاقب على هذا الفلتان الداخلي والضعف العقلي والجسدي والإرادي.
لكنك شجرة ورد في عمق الصحراء القاحلة أيتها السيدة السعودية، جورية حمراء بين كثبان رمل، يكفي وجود واحدة منك لتلون صفار صحراء كاملة، فمن ذا الذي ينال منك؟ إنه أوانك أن تجلسي خلف مقود حياتك فتوجهينها كما تشائين، وسنكون معك، بجانبك وفي مقعد سيارتك الخلفي، ننبهر بك ونتعلم منك ونحبك كل يوم.