تحميل إغلاق

هيا بنا نتفاهم

هيا بنا نتفاهم

لقد قرأت ما تيسر من مشروع ائتلاف المعارضة، فأُعجبت بالكثير من بعضه، وتعجبت من بعضه الآخر، ولا أخفيكم، ما فهمت البعض الثالث منه، ولقد طالت مقدمة المشروع حتى أفقدتني حماستي، إلا أنني ثابرت لأستكمل المشوار متشجعة بجمل مثل “ومن ضمن مسارات الإصلاح تطوير أدوار السلطة القضائية دستورياً وتشريعياً لتحقيق العدل الذي نادى به الدستور وفقاً لأحدث ما وصلت إليه التجربة البشرية في هذا الشأن”. ولا أدري إن كان واضعو هذا النص يعلمون أين تأخذهم هذه الجملة، فأحدث ما وصلت إليه البشرية دستورياً وتشريعياً لا يجرؤ الجماعة على مجرد التفكير به، دع عنك التصريح والتطبيق، والمشروع يأتي على تنقيحات كثيرة، وبخبرتي القليلة، أجد بعضها ممتازاً حد المثالية، إلا أن المشروع يفتقد للتفاصيل الضرورية في بعض المواضيع الرئيسة مثل مثلاً موضوع القوائم الانتخابية والأحزاب السياسية التي يرمي المشروع نفسه فيها بلا مقدمات.

وفي الحقيقة، لكي أشكل شخصياً وجهة نظر متكاملة حول المشروع لابد من الاستماع أو قراءة أبحاث الخبراء القانونيين والدستوريين حوله، إلا أنني أعتقد أنه قبل الانتقال إلى هذه المرحلة، هناك نقاط عدة، لا تقل أهمية، ولا أعتقدها تقل صعوبة، عما ورد في لب المشروع نفسه، يجب الاتفاق عليها. أولاً يجب على واضعي المشروع أن ينظفوه مما ينتقدون ومن أمثال من ينتقدون. أي أنه لا يمكن الوثوق بمشروع يتحدث عن الحريات والديمقراطية والدستور والعدل و”أحدث ما توصلت له التجربة البشرية” وبين القائمين عليه من يرون الحريات فاحشة والديمقراطية حراماً والدستور بدعة، أما التجربة البشرية فكفر لا مكان لها أمام المنطق الإلهي الذي هم وحدهم يبدون أنهم يعرفونه. بعد ذلك، لا بد من تنظيف المشروع من الفساد والمفسدين الذي أفنت فيه المقدمة عمرها وهي تتحدث عنه، أي لا بد على كل من قبض أو حتى عليه شبهة، مجرد شبهة انتفاع، أو توسط في يوم لمجرم أو فاسد أو تدخل ليأخذ حق إنسان ويعطيه لآخر، أو وظف أو أفاد أو استثنى أو شمل أو وهب أو حتى وعد وعداً لمن لا يستحقه أن “يورينا عرض كتفيه”، ولأن النقد بالنقد يذكر، على المعارضة التي أظهرت السلطة والحكومة في ديباجتها على أنها شيطان أكبر أن تعدد أخطاءها هي كذلك، من باب التواضع والتلاحم الإنساني، فالاتهام أمامه اعتراف، هكذا تصبح الأمور معقولة ومهضومة.

وأخيراً والأهم بالنسبة إلي، يجب على القائمين على المشروع تضمينه نقطتين رئيسيتين: أولاً مادة تمنع أي اصطفاف قبلي من نوع في القوائم الانتخابية والأحزاب، على أن تكون هناك قواعد صارمة تحمي المجتمع من هذه الاصطفافات وبوضوح، مثلاً أن يكون هناك تنوع في الأحزاب بنظام الكوتا، ألا يكون هناك تصويتات فرعية أو شبهة تكتل عائلي في القوائم والبحث في طرق حقيقية لمنع كل هذا، لضمان حماية مجتمعنا الغارق في قبليته واصطفافاته من نخرهما في عروقنا، وثانياً إزالة المادة الثانية من الدستور حتى نضمن وبكل صراحة، بما أن هذه هي المخاوف المتداولة في البلد، عدم سيطرة صوت إسلامي “سولو” على المشهد السياسي في الكويت، وأن تكون هناك ضمانات وتأكيدات على أن التشريع سيكون، وفقط سيكون، مدنياً خالصاً دون اللجوء إلى أي تشريع ديني يمكن له أن يرفع كفة الإخوان على الجماعة، أو يطلق يد الإخوة على الأخوات، أو يقوي شوكة هؤلاء الصالحين على هؤلاء الطالحين، ليس لنا علاقة بمن سيدخل الجنة أو يتبختر إلى النار، في هذه الدنيا، نريد عدلاً ومساواة وحرية، تقدرون؟ إذا كنتم تستطيعون، بعدها نتفاهم.

«آخر شي»:

ومرة أخرى، تقلب الحكومة الطاولة على نفسها، فما إن يتعاطف الناس مع مواقفها، حتى تأتي بتصرف تنتقم به من نفسها. إيقاف جريدتي “الوطن” و”عالم اليوم” لن يجلب سوى سخط الناس على الحكومة وتعاطفهم مع الجريدتين، وإن كانت لهم مواقف مسبقة منهما. حكومة غريبة الهوى، عندها مخ دستوري، ولكنها طوال الوقت تستعرض علينا عضلات قوانينها غير الدستورية. أكرر سؤالي الممل حد الموت، “متى تستورد الحكومة شوية خبراء لطفاء يشورون عليها بأدوات المخ عوضاً عن أساليب العضلات؟”.

اترك تعليقاً