هشاشة

مثل ناقوس يصفر في الآذان، تدق هي بين فترة وأخرى لتذكرنا بوجودها وكل ما يمثله شخصها، لتؤكد على ربط ظالم صنعه الناس في عقولهم بين ليبرالية الفكر وطبقية ومخملية «المفكر»، لتحرمنا الشفاء من الكلمات والأسلوب والنبرة ولغة الجسد التي تُعَدّ جميعاً أعراضاً لمرض اجتماعي آخذ في الانتشار، خطورته تكمن في تسويقه على أنه قوة وشجاعة وجرأة، في حين أنه في الواقع مرض هشاشة، هشاشة نفس ومنطق ومبادئ.

ليست الرسالة وحدها هي المشكلة، ولكن في الكلمات التي توصل الرسالة كل المشكلة، كل السم الزعاف الذي يسري بطيئاً في عروق المجتمع، فيؤلب البشر على بعضهم، زارعاً الكراهية وصانعاً «الآخر» على أساس من أصله ومنبته، ومن ثم وبشكل ضمني، طبقته الاجتماعية ولونه ودينه. إن صناعة الكراهية والعزل هي صناعة سهلة جداً ومربحة جداً، فهي لا تحتاج إلى أكثر من ضغطك على جراح الناس الطازجة ومخاوفهم الطرية، لا تحتاج إلى أكثر من استثارة النعرة التمييزية البدائية في نفوسهم والتي لم تستطع ملايين السنوات من التطور الدارويني إخفاءها أو تحسينها. الجموع بطبيعتها وفي كل مكان في العالم غير عقلانية، الأفراد المنفصلون عقلانيون، لكن الجمع يسوده التهور وتطغى عليه غوغائية التصرف ويسيره الهوج وبدائية المشاعر، وهنا لعبة صانع الكراهية، فهو في الغالب لا يحدث الفرد المنفصل القادر على التقييم، هو يخاطب الجموع المأخوذة بفخامة وشاعرية وهيجان تجمعها، يثيرها ويستثيرها ويضغط على منافذ مشاعرها ومخارج مخاوفها، فلا تلبث أن تمشي خلفه كما القطط المنومة مغناطيسياً، تموء معه بكلماته وتردد معه رنينه الصافر في الآذان. هي الطبيعة البشرية، من فهمها عشى عياله.

ليس هو الغضب أو الحزن أو حتى الغثاء ذاك الذي يصيبني كلما خرجت هي بمظهرها المكلف والذي سبق أن أكدته في تلك المقابلة سيئة الاختيار، والتي عرضت من خلالها علينا بيتها وحياتها وماركاتها المفضلة، إنه الخوف يمسك بتلابيب روحي وأنا أرانا على حافة الهاوية، وأنا أرى سكينها الحادة تقطع الحبال بيننا وبين ضيوفنا الذين أصبحوا أكثر من أهل بيت، فلا نحن قادرون أن نتوازن على الحافة الخطرة، ولا نحن متمكنون من حبال الإنسانية القوية نعتصم بها وببعضنا البعض من خطر الأيام القادمة.

حرام عليك يا شيخة (بالمصري) خطابك زرع الأحقاد وألب القلوب وخرب آذان وألسنة جيل كامل أصبح يعتقد أن التشويح باليد ورفع نبرة الصوت والتعنتر في مخاطبة الآخر كلها ضروب من الشجاعة ودروب إلى النجاح. غيرت معنى الشجاعة ووصمت الليبرالية وعبثت بمبادئ الحوار الراقي والخطاب اللين الأخلاقي، كلها تبنى في قرون وتهدم في أيام. «خربتيها» ولن تجدي مكاناً لتجلسي على تلها في النهاية، فلن يبقى مكان مرتفع في بلد هبط فيه الحوار مع الآخر إلى هذا الحد.