اليوم تثور الثائرة لأن مجموعة من الطلبة أنزلوا إعلانات قبلية لمباركة دخول أبناء قبائلهم جامعة الكويت ولعرض مساعداتهم لهم. لماذا الثورة على شباب صغار هم صنع أيادي هذا المجتمع ونتاج خالص لأيديولوجيته؟
هل هو ديدننا، أن نخلق المشكلة، بمساهمتنا أو بسكوتنا عنها، ثم نتصرف وكأننا متفاجئون بها ونطالب بإنزال أقصى العقوبات بأطرافها؟ ثارت غضبة قبل فترة من خطبة الجمعة وما تبعها من إعلانات تسوق للحجاب بحجة أن الحكومة يفترض أن تكون طرفا محايدا لا تتخذ موقفا دينيا، في حين أن الحكومة كانت دائماً طرفا دينيا وقويا، على سبيل المثال لا الحصر، بتأسيسها وزارة إسلامية من الأساس وبتقديمها منهج تربية إسلامية ذا رؤية منفردة، شديد اللهجة متطرف الفحوى، فمن منا حرك ساكناً؟
نتكلم عن الفساد، عن السرقات، عن الحقوق المهدرة، ونحن نعلم، وربما نساهم في نفخ خدود هذه الكوارث، من منا لا يعرف أحداً تحصل على حق ليس له بواسطة؟ من منا لا يعرف متنفذين يجلسون في بيوتهم لتصلهم رواتبهم المتضخمة الى أحضانهم؟ من منا لم يستشعر الفساد الذي “لا تحمله البعارين” في أرجاء مؤسسات الدولة؟ من منا حرك ساكناً؟
اليوم تثور الثائرة لأن مجموعة من الطلبة أنزلوا إعلانات قبلية لمباركة دخول أبناء قبائلهم جامعة الكويت ولعرض مساعداتهم لهم. لماذا الثورة على شباب صغار هم صنع أيادي هذا المجتمع ونتاج خالص لأيديولوجيته؟ يعني هم ولدوا هكذا؟ خرجوا من بطون أمهاتهم قبليين حتى تثور الثائرة عليهم فنحملهم ذنب هذا المجتمع وآفاته؟
قبل فترة بدأت إعلانات “تشاوريات” القبائل على “تويتر”، وكان معظم التفاعل معها طبيعيا ومؤيدا، بل وجدت الجموع جانبا كوميديا لهذه التشاوريات حين تخيلوا وجود تشاورية حضرية، حيث أخذوا يتضاحكون على ما يمكن أن يقدمه الحضر في ديوانيتهم وما يمكن أن يقولوه تشجيعاً لمرشحيهم. وقبلها وبعدها، دوماً ما تنتشر إعلانات لأمير قبيلة معينة يتقدم لزيارة أحد المسؤولين أو يعلن موقفه السياسي أو تأييده لطرف دون طرف، أو يعلن موقف قبيلته من هذا الموضوع أو ذاك. من منا حرك ساكناً؟
لا يختلف عن أبناء القبائل (كل البشرية أبناء قبائل في الواقع) أبناء العديد من العائلات والطوائف. الديوانيات معلنة بأسمائهم، المواقف تشهر جمعياً نيابة عنهم، الوساطات تتغلغل في مفاصل الدولة بأسمائهم وسلطة متنفذيهم. إذا كانت الانتخابات بجلها مقسمة على أساس الأصول والانتماءات العرقية والدينية، فماذا بقي لنا؟ ولمَ نحاسب شبابا صغارا كبروا فما وجدوا سوى هذا النمط أمام أعينهم؟ ماذا كنا نتوقع، أن يتصرفوا بالعقلية السويدية في حين نحن نطبل على “دنابك” عنصرياتنا وتطرفنا وقبليتنا؟
كلنا نعلم بوصول المتنفذين لهؤلاء الشباب، كلنا نعرف بالتأييد والتمويل الذي يصلهم ومن نواب مجلس أمة لتقوية الموقف القبلي أو الأسري أو الطائفي، كلنا نعرف وكلنا نستطيع أن نعدد أسماء، وكلنا نستطيع أن نشير بالأصابع، لكننا لا نفعل، لا نوجه أصابعنا إلا للحلقة الأضعف، للضحايا لا المجرمين. فكروا معي دقيقة، من منّا حرك ساكناً؟
“آخر شي”:
الشكر مستحق لجامعة الكويت لتحريكها الساكن ولإصدار بيانها المستنكر، الموضوع يحتاج تغييرا جذريا والذي سيتحقق بأن نتحمل جميعاً المسؤولية أفراداً ومؤسسات، وأن نبذل جهدا حقيقيا ملموسا لتغيير أسلوب حياتنا ومنهجية تفكيرنا.