نباطة

ماذا لو لم تكن هناك سياسة، ولم يكن هناك تجار أوطان، فقط نحن، شعوب تعيش وتتجاور، دون ساسة، دون نخاسة، دون مخططات ومخابرات وسجون ومجون؟

ماذا لو لم تكن هناك طوائف، لم تكن هناك أسماء للأديان، فقط إنسان يتجه إلى خالقه، يبحث عنه فيجده في ضميره، يصلي له فتتجلى صلاته رحمة، يحج إليه فيحمل معه السلام ويعود بالرضا “صوغة” لأهله؟

ماذا لو لم تكن هناك نقود ولها بيوت، لم تكن هناك أشياء أغلى من الحياة، لم يكن هناك زيت تحت الأرض وحجر فوقها، فقط بشر وشجر وغزلان وقواقع وبحار وأنهار تتبادل الأنفاس والأدوار، الإنسان يصبح شجرة والشجرة تصبح غزالا والغزال نهرا يولد منه إنسان؟

ماذا لو استطعنا أن نبدأ من جديد، دون إرث ثقيل، دون وصايا معلبة، دون موروثات صدئة، أكانت تختلف اختياراتنا؟ أحكامنا؟ ماذا لو عاد الزمان أو أهدانا نقطة انطلاق جديدة، أكنا نغير التاريخ؟ أكنا نسفك فيها الدماء؟ أكنا نمجد فيها البغاة ونقتل الأطفال قرابين لهم؟

ماذا لو لم يكن هناك أسد في سورية يأكل أهلها ويمزق أجسادهم؟ وماذا لو لم يكن هناك طاعون البلادة يشل إخوة سورية في العروبة تاركاً لعابهم يسيل فوق ذقونهم وهم يتفرجون على المذبحة بذهول وغياب؟

ماذا لو لم يدخل أرض الكنانة “إخوة” أشرار، ولم يخلق فيها وفي جارتها مجنون جبار؟ ماذا لو نظمت “عشوائية” الحياة، وفصل الأحياء عن الأموات، ومنع وحش الفقر من مهاجمة إنسانية الجوعى، فوجد الكبار طعاماً وكرامة والصغار حناناً وسلامة؟

ماذا لو بقي دوار الؤلؤة في مكانه وسط الجميلة البحرين؟ ماذا لو أن القادة تلصصوا على دعاء المصلين، سادلين الأيادي وطاوين إياها، يشتكون لربهم الغبن والقهر وضياع الأحلام، لا يطلبون بعد رضا الله إلا قرب الأرض في الحياة والممات؟

ماذا لو أن صالح اليمن التزم بصلاح قراره الذي كان، فابتعد ورحم أرض سبأ وتركها تغتسل بالأمطار بدل الدماء؟

ماذا لو أننا لم نكن سابحين فوق مستنقع زيت عميق، أزكمت أنوفنا روائحه وأعمى أعيننا سواده، فانقلبنا على أعقابنا متخبطين، ننهش ظاهر الجسد من أجل ما في باطنه حتى تداعت سائر أعضائه بالسهر والحمى؟

ماذا لو أعطانا التاريخ فرصة جديدة، فحقن يزيد بن معاوية دماء الحسين بن علي وأهله وتوفي سبط رسول الله في فراشه، فكان المسلمون فرقة واحدة، لم تدّع في يوم أنها هي الناجية، بل تركت النجاة لصاحب النجاة، وانشغلت ببناء مستقبل زاهر عوضاً عن اللطم على ماض دموي حزين؟

ماذا لو أننا لم نهبط من الجنة؟

«آخر شي»: كل عام والجميع بخير، أيا زوار بيت الله، ادعوه واستشفعوا رسوله، كم نحتاج رحمته، وعودوا إلينا سالمين.

«آخر آخر شي»: تغير الزمان كثيراً، فغيروا الأسلوب، وتذكروا، التغريد فعل الكائنات المحلقة، فكفوا عن تأزير خصوركم بدشاديشكم وملاحقة الطيور رمياً بالأحجار، فقد ولى زمان “النباطات”.