نحن «مركز إنساني» حديث تزامن مع ارتفاع نسبة أسى الضعفاء وعنصريات الأقوياء، ترى هل هي المعادلة الكونية المتوحشة أن مقابل كل سعادة هناك تعاسة تتحقق بوضوح على أرضنا الصغيرة؟ ألا يمكننا بمقدراتنا وبحظنا الأوفر هاهنا أن نعاند معادلة الحياة هذه؛ فنحيا حياة أكثر إنسانية وأخلاقية؟
هل نحن نعيش، هذه الفترة من الزمن وعلى هذه البقعة من الأرض، أزمة أخلاقية، أم أن البشر هم البشر والحياة هي الحياة، وما الشعور باشتداد الأزمة سوى نابع من المعايشة الزمنية لها؟ هل كان هناك زمن أكثر أخلاقية؟ هل كان هناك جيل أكثر إنسانية؟ في الغالب الإجابة هي لا، ولكنها معايشة الأزمة التي تجعلها تبدو مختلفة ومتميزة عن بقية أزمات الأزمنة السابقة واللاحقة، رؤيتها بالعين واختبار نتائجها يجعلانها تتضخم على خط الزمن الإنساني حتى لتبدو الكارثة الأكبر والأخطر والأكثر إيجاعاً.
إن تذكر هذه “الحقيقة” يخفف عن النفس، وفي الوقت ذاته يثقلها بفكرة أننا كفصيل “هوموسيبيان” وعلى مر كل الأزمنة والأجيال لا سبيل لنا إلى طريق سلام خالص ونحن هذا الفصيل المتوحش الذي قضى على كل جنس آخر تزامن معه أو حاول منافسته. نحن منكوبون بلعنة جينية، لعنة الوعي بأنفسنا، ولعنة العقل البدائي جداً الذي يقدمنا خطوة أمام كل أنواع الحياة الأخرى على الأرض. لكن المذهل حقيقة هو أننا رغم تركيبتنا الجينية الدافعة إلى حفظ النوع، فإننا نتوحش حتى تجاه نوعنا، تدفعنا مصلحتنا الآنية لارتكاب أفعال يمكن لها أن تقضي على نوعنا البشري بأكمله. مذهلون نحن كمخلوقات لا يمكن مَنطَقة أفعالها ولا حتى فهمها كيميائياً، مرعبون ومثيرون ومنكوبون وناكبون، خلطة خطيرة يبدو أن القليل والكثير منها موجود في نفس كل بشر منا يحيا على هذه الأرض. فحتى يعيش أحدنا حياة وفيرة غيره يضرم النيران في نفسه، حتى يعلو آخر ويصل غيره يتدهور وينحدر، حتى تأمن بقعة تموج أخرى بالدماء، حتى ينام صغير آمنا في سريره يدفن آخر غيره تحت الركام. لربما هي معادلة علمية واقعية، أمام كل محظوظ منكوب، وعلى قدر الوفرة والرفاهية هنا تكون النكبة والأسى هناك.
والأمثلة قريبة جداً. مؤخراً تعددت لدينا حالات إضرام الشباب البدون للنيران في أنفسهم والتي يقابلها إفصاح حكومي “لجرائم” هؤلاء المنكوبين، لدينا هجمة على الحلقة الأضعف من المقيمين على أرضنا الثرية والتي يقابلها إقرار شعبي “باجتياح” هؤلاء المستضعفين، نحن “مركز إنساني” حديث تزامن مع ارتفاع نسبة أسى الضعفاء وعنصريات الأقوياء، ترى هل هي المعادلة الكونية المتوحشة أن مقابل كل سعادة هناك تعاسة تتحقق وبوضوح على أرضنا الصغيرة؟ ألا يمكننا بمقدراتنا وبحظنا الأوفر هاهنا أن نعاند معادلة الحياة هذه؛ فنحيا حياة أكثر إنسانية وأخلاقية؟