تحميل إغلاق

متى نستحي؟

تظاهرة في رام الله رفضا للعنف ضد النساء

متى نستحي؟

إذا أردنا أن نتكلم بصراحة، إذا أردنا أن نقمع الخوف الذي بداخلنا وأن نضع حرصنا على نظرة الناس لنا وعلى تقييمهم لشرفنا وسمعتنا، هذه المفاهيم الهلامية التي لا ترتبط سوى بالمرأة قمعا وعزلا وإبعادا عن الحياة بكل مناحيها، إذا أردنا لمرة أن نقتطع الحق من أنفسنا فنسأل: لماذا تموت النساء كل يوم، كل يوم، على أيادي آبائهن أو إخوتهن أو أعمامهن أو أخوالهن أو أي “ذكر” في العائلة يرى شرفه مرسوما على جسد هذه المرأة ومعلقا بقطعة جلد أسطورية في مهبلها؟

علينا عندها أن نبحث عن أجوبة حقيقية، أجوبة منصفة، أجوبة لربما تكون خطرة وثمنها مرتفع، ولكنها أجوبة مستحقة جدا ومتأخرة جدا. علينا أن نجد بحثا ونصرخ إعلانا للحقيقة ليقف “وأد البنات” المستمر هذا وليغلق صنبور الدم المهدور. علينا بصراحة أن نستحي، نعم نستحي، وأن نصرخها واضحة: إنه تعاون العادات والتقاليد والقراءات الدينية التراثية القديمة، إنه هذا الثلاثي العنيف الذي طالما تقع تحت نصله الحاد النساء، والنساء فقط.

ولنكن واضحين مهما رأينا من وضوحية النصوص الدينية وفي كل الأديان، هي القراءات والتفسيرات الدينية وليس الدين أو نصوصه المباشرة، لأنه حتى النصوص المباشرة وفي كل الأديان مطواعة للتفسيرات والتأويلات الإنسانية المتحضرة والمنطقية، أما ما لدينا الآن من تفسيرات وتأويلات شائعة محمية بعادات وتقاليد غبية بائدة، فما هي سوى أحكام إعدام تنتظر النساء اللواتي خلقن بلا اختيار في أجسادهن النسائية، ويحاسبن طوال أعمارهن على جنسهن وكأنه خطيئة.

اسأل أي “ذكر” في هذه الحياة، هل تود العودة للحياة في جسد أنثى؟ سيقفز مبتعدا مشمئزا وهو يرى بأم عينيه الحياة التي ستنتظره والتي شكلتها العادات والتقاليد الذكورية بالتحالف مع القراءات الدينية الذكورية كذلك، لتخلق له/لها جوا مسموما، بيئة قاتلة تهبط هي إليها منذ لحظة خروجها من رحم أمها إلى لحظة هبوطها إلى قبرها.

والله فضيحة، فضيحة للمجتمع بعاداته وتقاليده واتهامات واضحة للدين وتعاليمه؛ أنتم يا حملة لواء الدفاع عن الدين توجهونها بأنفسكم له، عند قول إن تقتل امرأة بدواع الدفاع عن الشرف والسمعة. يا له من غباء محدق وتخلف مفزع هذا الذي تشير له هذه الجرائم؛ غباء وتخلف يسكنان عميقا في الوجدان المجتمعي حتى ليبرر زهق نفس إنسانية بدعوى المحافظة على السمعة، هذه السمعة التي غالبا ما يكون قد لوثها صاحبها أصلا بسلوك أو قول لا يطهره منهما ماء زمزم كله. لكنه رجل، ملوثاته تصبح مطهرات، وناره تصبح بردا وسلاما، وأخطاؤه تصبح نوادر يسردها فخرا مريضا في جلساته الذكورية الموبوءة. أما هي؛ أخته، ابنته، ابنة عمه، فاسمها عار، دع عنك خروجها أو ظهورها أو اتخاذها أي قرار مستقل في حياتها.

الخطاب لكم ولكن، أنتم وأنتن المرضى الذين تعتقدون الشرف مرفوف بقطة جلد داخل الجسد، وتظنون أن “ذكورة” الرجل كافية لمسح أي سلوك اجتماعي منحط؛ أنتم يا من تعتقدون أن الشرف مربوط بدليل على الجسد، لأن المرأة جسدها يظهر دليلا فالشرف حملها وحدها ولأن الرجل محمي من الآثار فلا عبئ لشرف عليه؛ أنتم يا من تعتقدون في مكالمة امرأة لرجل عار وفي جلسة رجالية يشرب ويعربد فيها الرجل فحولة وفخر؛ أنتم أيها الأغبياء الذين تلوثت أياديكم بدماء كل الموءودات والمقتولات من بدء حياتنا البشرة البدائية غير المتطورة وصولا إلى القرن الواحد والعشرين الجاد في ذات البدائية والمفتقد لذات التطور للعقلية البشرية، الخطاب لكم أيها المجرمون ودون المواربة ولا المهادنة القديمتين واللتين لم تجديا نفعا:

ليس جسد المرأة ساحة حرب أو قتال. الشرف والسمعة، إن عرفتم لهما تعريفا واضحا، هما مسؤولية كل البشر ولكنهما مسؤولية الرجال على وجه الخصوص لأنهم الأكبر حظوظا في الدنيا والأقدر على تغيير مساراتها. اسمعوا جيدا، للمرأة الحق الكامل في أن تعيش حياتها بالطريقة التي تريدها وترضاها، بحرية مطلقة أو بانعزال، بتغطية كاملة أو بتحرر ملبسي، بأن تكون لها علاقات مثل الرجل، وأن تأخذ فرصتها في معرفة شريكها مثل الرجل، بل وأن تخطئ وتذنب مثل الرجل، لا تجعلها أي من هذه المناحي أقل شرفا منه أو أكثر تأثيرا على السمعة منه. ما ينطبق عليه ينطبق عليها، وما يحق له أن يأتيه يحق لها كذلك، وما يمكن له أن يخطئ فيه، لها أن تخطئ فيه هي كذلك، وليس لأي “ذكر” في عائلتها أو خارجها أن يحكم عليها أو على حياتها أو يحملها عبئ شرف وسمعة أسرتها، دع عنك أن يمس شعرة من جسدها أو يهددها من بعيد أو قريب بأمنها وسلامتها.

ليس هذا الواقع، ولكن هذا ما يجب أن يكون. هذا هو العدل والمنطق، معايير السمعة والشرف للرجل هي ذاتها للمرأة، وكما تحاسب المرأة يجب أن يحاسب الرجل، والقيم والأخلاق نسبية متفاوتة، من حق كل إنسان أن يقررها لنفسه وأن يعيش على أساسها دون خوف أو تهديد، وهذا ما سنظل ندعو له ونصرخ به ولو هددتم، ولو كفرتم، ولو شرعتم كل سكاكينكم الملوثة في وجوهنا.

كفانا سفكا للدماء، وكفانا دفاعا مسكينا عن أنفسنا، وكفانا تخفيا قميئا خلف مطالب الرحمة والرأفة. أَخطَأت هي في عرفك أم لم تخطئ؛ لوثت هي حسب فهمك سمعتك الملوثة أساسا بيديك أم لم تلوث؛ وجدتها أنت في قاعة مسجد أم في غرفة نوم رجل آخر، لا يحق لك أن تمد إصبعا عليها، مثلما لا حق لها هي، مع كل الملوثات التي ترى آثارها في حياتك، أن تمد إصبعا عليك. واضح الكلام؟ الآن من يريد أن يرد على المقال تلويثا وضربا في السمعة وتكفيرا، فأهلا وسهلا، وأعلى ما في خيلكم اركبوه.

اترك تعليقاً