في تغريدة لي يوم الخميس الماضي كتبت أعبر عن سعادتي “لرواق” اليوم وهدوئه، مشيرة في ذات الوقت للأسباب غير الرائقة التي تسببت في هذا الهدوء، فالناس، على طبيعتها في الكويت، تعطي نفسها حقاً في الإجازة يوماً أو أكثر قبل وبعد مواعيد إجازة مبالغ بها أصلاً، وعليه، فقد بدا من “رواق” شوارع الكويت صباح الخميس أن الناس “مطت” إجازتها، وكأن أسبوعاً كاملاً لعيد خاص بالحجاج، على الأغلب لن يأتي فيه أحد من “المتأجزين” عبادة إضافية، ليس كافياً.
وعليه فقد أشرت في تغريدتي بالتالي: “كيف نحافظ على أخلاقيات نسوقها طوال الوقت وأبسطها يغتال في أقرب مناسبة؟”، ليأتي تعليق أحدهم كالتالي: “أي أخلاقيات؟ نحن نتجهز لحج بيت الله الحرام، وموسم زيارات العتبات المقدسة قد قرب، هذه وايد أهم من الأخلاقيات”.
أعتقد صادقة أن تعليق المغرد يشير الى مشكلة حقيقة أنا ممتنة له لإظهارها، تناقض نفسي وتنازع داخلي يجب أن تهدأ أمواجه الثائرة على ضفاف وعي حقيقي بمفاهيم الأخلاق وعلاقتها بالدين. السؤال العصيب هو هل يمكن للحالة الدينية أن تتناقض والحالة الأخلاقية؟ في حال حدوث تناقض، هل الحالة الدينية تبقى فعلاً دينية أم أنها تصبح ممارسة معراة من جانبها الروحاني؟ وإن أمكن أن تتناقض الحالة الدينية والأخلاقية بينما تحتفظ الأولى بقداستها، فلأي يستجيب الإنسان لواجبه الأخلاقي أم للنداء الديني؟ إن هذا التنازع إما أن يثير عند البعض حالة من التناقض المؤلم والصراع النفسي العنيف الذي يترك الإنسان تائهاً وإما أن يوفر فرشة تبريرية للإنسان يستلقي عليها مرتاحاً فيما يحقق رغباته ويتهرب من واجباته.
يتحجج الموظفون والطلبة وغيرهم بالمناسبات الدينية ليتغيبوا عن أعمالهم، ليتحصلوا على تسهيلات لمبتغاهم وتبريرات لتقصيرهم، يقدم المصلون لحاقهم بصلاة الجمعة سبباً ليسدوا الشوارع بغية الوقوف في أقرب نقطة من المسجد، يبرر ملاك الحسينيات افتتاحهم لها في وسط المناطق السكنية التي تعبأ بالسيارات وأصوات الميكروفونات وروائح الطبخ خصوصاً في أيام محرم وصفر بمبرر الممارسة الدينية والمجالس الفاضلة والشعائر التي يجب احترامها، في حين أن أياً من هؤلاء، موظفين وطلبة ومصلين وملاك حسينيات وغيرهم ممن يقدمون الممارسة الدينية على واجباتهم العامة وعلى راحة الآخرين وحرياتهم لم يعقدوا في يوم، على ما أظن، مقارنة بين ثواب الفعل الديني وثواب أداء الواجب، بين حسنات العبادة وحسنات المعاملة الطيبة، لم يتفكروا في يوم، على ما أظن، في موقف التناقض بين حالة التعبد والإهمال، وحالة الممارسة الدينية وإيذاء الآخرين، ولربما تفكروا، لربما أعياهم التناقض ولربما أقعدتهم المصالح، إلا أن الربما المؤكدة أن هذه الحالة من “الربمات” تدخل البلاد والعمل فيها وأخلاقياتها في فترات طويلة من “الراحة” والجمود، يؤجل فيها العمل، وتدخل فيها الأخلاق في الثلاجة وتعطل إبانها مصالح الناس، والضمير، غالباً، مرتاح فكله باسم الدين ومن أجله.
في وقفة مع النفس كي لا يتضارب الدين بالأخلاقيات في أعماقنا نحتاج إلى أن نتساءل، هل تبقى الصلاة صلاة وأنت تؤديها وقد كرست الزحام وعطلت الناس، ولربما آذيت مستعجلاً بحالته الطارئة؟ هل يبقى الدعاء دعاءً وهو يخرج من شرفة حسينيتك التي يزدحم روادها مغلقين الطرقات وترتفع أصواتها موقظة النيام؟ هل تبقى العمرة عمرة وأنت تقتطفها في أزحم أيام عملك أو الحج حجاً وأنت تؤديه مراراً وتكراراً مهملاً في ذات الوقت عملاً أو واجباً آخر في حياتك؟ هل تبقى هذه الممارسات ممارسات دينية روحانية أم تفرغ من محتواها وتصبح ممارسات ميكانيكية إذا ما أتت مصحوبة بالإهمال والأنانية وإيذاء الآخرين؟
يعود بي الفكر إلى تغريدة الأخ الفاضل، والذي بين من خلالها أن زيارة العتبات المقدسة والاستعداد للحج هما أهم من الأخلاق، ترى، كيف نصل بالمسلم العربي إلى مرحلة الزواج الكاثوليكي بين دينه وأخلاقياته ليعرف أنه لا يمكن للدين أن يحمل صفته المقدسة الفاضلة دون أخلاق، وأنه لا وجود لفكرة التضحية بالأخلاق من أجل الدين، “فمتى ما ذهبت أخلاقهم ذهبوا”*.
«آخر شي»
في مبادرة قد تكون الأولى من نوعها على شاشاتنا الكويتية، تطلق مجموعة 29 برنامجها الذي يحمل اسمها والذي يهتم تحديداً بقضايا حقوق الإنسان، وذلك في 10 مساءً من كل يوم جمعة على قناة اليوم، بانتظار متابعتكم وتعليقاتكم وملاحظاتكم من خلال حسابنا على تويتر @group29kw
*مقطعان لأمير الشعراء العظيم أحمد شوقي