لطالما نظرت إلى تغيير الحكومة ورئاستها على أنهما نتيجة وليسا هدفاً، فالهدف كان تغيير سياسة الدولة، والطريق كان بالالتزام بالدستور ومواد القانون، التزاماً يفترض أن يصل إلى حد “العصابية” والتطرف في وقت تداعت فيه الأنظمة والقوانين من حولنا بينما بقيت رؤوسنا، وحدنا، فوق الماء بفضل هذه القوانين وهذا الدستور. وها هي النتيجة تحققت، ولم يتحقق الهدف، رحلت الحكومة، وبأي وسيلة رحلت؟ وأي سابقة ثبتت؟ ماذا لو لم يأت أداء رئيس الوزراء الجديد جابر المبارك على خاطر المعارضة؟ ماذا لو مثلاً دفع نهجه تجاه المزيد من الحريات مقلصاً قوة التطرف الديني؟ ماذا لو فتح هذا النهج الكويت أمام أشكال الفن المختلفة: مسرح وغناء وفن تشكيلي؟ ماذا لو حزم أمر منع الفرعيات؟ ماذا لو وقف ضد سياسة الهدر المتجلية في الكوادر وإسقاط القروض وغيرها؟ يخبرنا نواب المعارضة في كل تصريحاتهم أن لهم “رِجْلاً” في البيت وأخرى في الشارع، فمن لا يمشي على صراطهم سيحملون له اللافتات ويؤلفون له الأناشيد ويصرخون في صرصور أذنه إلى أن يسقط، و”كله بالدستور”، ونفتح نحن الدستور، ونبحث عن المادة التي تقول بالأناشيد الطائفية والصراخ واقتحام مجلس الأمة كأدوات دستورية فلا نجد، فنقول لا بأس، إنها ثورة تستوجب الاستثناء، وينغرس النهج “الجديد” أكثر، ويتخلخل الدستور أكثر، ونقف نحن، التائهين في المنتصف، لا ندري أنمنع الغرس الجديد أم نلحق على الدستور “القديم”؟
لقد ذهبت الحكومة، ودفعت ثمناً، في الحقيقة هو قليل، أمام المشاكل التي أسست لها، أمام منهجية العنف التي انتهجتها، أمام قائمة من الاعتقالات التي سوّدت تاريخها، أمام تراخيها وتمنعها الواثق عن محاسبة مفضوحي الإيداعات، تركتنا نهبة للإشاعات والغضب والرغبة في الخلاص بأي وسيلة كانت. دفعت الحكومة ودفعنا معها، وقد تكون خسائرنا أعظم، فقد تم ترسيخ منهج “بالذراع” من أجل التغيير، تغييراً أبطاله، من خريجي الفرعيات والطائفيات والمحسوبيات، يتصارعون حول حرمة الأغاني الوطنية، ويتنادون، وكم فعلوا من قبل، لتحويل الدولة المدنية إلى دينية، دستورها المنهج السلفي، وقيمها العادات والتقاليد، وأسلوبها… الذراع.
ولكن، يقولون ليس للسياسة صاحب، فهي اقتناص فرصة، وقلنا لا بأس، لنحدد المسير قبل أن “نقيل” سائق العربة، فلا يعقل أن نختلف على الطريق، فنغير السائق دون أن نناقش المختلف عليه بحد ذاته: الخارطة. ولكن، ها نحن اليوم، برئيس وزراء جديد ولكن بلا خارطة، بلا مطالب واضحة، بلا أهداف محددة، كل ما يقودنا هو تهديدات المعارضة التي تكرمت وأمسكت “فعالياتها” للنظر في منهجية الحكومة الجديدة. ماذا لو أعجبتني الحكومة الجديدة ولم تعجبهم؟ سؤال ساذج، أدري، لكن ماذا لو؟
لم أكن أتمنى أن أكتب بنبرة “غير احتفالية” لتغيير كلنا رُمناه هدفاً إصلاحياً، لكن الرؤية معتمة، والقادة مخيفون، والمنهج لا يقترب من الدستور، ومن المتوقع جداً أن يستجد ما لا يأتي على خواطر المعارضة، فما الذي سيحدث ساعتها؟
“آخر شي”: حمداً لله على سلامة المعتقلين، نتمنى أن تأخذ بقية الإجراءات مجراها دون تعسف، وأن تبدأ صفحة الحكومة الجديدة دون اعتقالات أو محاكمات سياسية.
“آخر آخر شي”: دعوة للشيخ جابر المبارك، رئيس وزرائنا الجديد، للانتباه الفوري والعاجل لموضوع “البدون” واتخاذ الإجراءات اللازمة لإغلاق الملف على وجه السرعة، وأعانك الله على حملك الثقيل.