أنا ليبرالية… أؤمن بحرية الفكر والعقيدة ومنهجية الحياة، أعتقد أن الطريق الوحيد إلى السلام هو أن نتفق على أننا لا نتفق، هو في أن نؤمن تماماً بحق الرأي المخالف في الظهور، ليس تفضلاً منا ولا تسامحاً، ولكن إيماناً حقيقياً بالتعددية وبحق كل إنسان في حريته الفكرية والحياتية. أفهم تماماً أن تقبل الرأي الآخر يعني تقبل الرأي المخالف وأحياناً المتضاد مع رأيي، لا يتجلى التعايش في التوافق بين الآراء ولكن في تجاور المتضاد منها وعلى ذات المستوى الحقوقي.
أنا ليبرالية…
أحيا بقانون أخلاقي صارم، لم أسمح لواسطة أن تتدخل في عملي في يوم، لم أمد يدي لما هو ليس لي ولو كان قلماً على مكتب سكرتارية عملي، تتدخل أخلاقية ليبراليتي في أصغر تفاصيل حياتي، لا أستطيع المرور على مكان مضاء بأنواره إلا وأطفأت هذه الكهرباء المهدرة، لا أستطيع أن أهدر ماءً ولو في مكان عام، تلك واجبات إنسانية تجاه أرضنا كلها يعززها الفكر الحر المتحرر القائم على قواعد من مبادئ صارمة.
أنا ليبرالية…
أؤمن تماماً بأن القاعدة هي أن البشر خيرون وأن الشر طارئٌ، أؤمن بأن النفس الإنسانية قادرة على تمييز الطيب بل على اختياره. لا أفجر في خصومة، أدرك أن كلماتي حدها نصل سيف فأحاول ألا أدمي بها الآخرين وألا أطعن بها قلوبهم، وعندما تتجه إليّ سيوف الآخرين، أصدها بتذكير نفسي إنها مخاوف البشر التي تدفع بهم لاستلال سيوفهم، إنه التغييب، إنها لحظات ضعف، فأقابلها بالمحبة إن استطعت وبالرحمة إن لم أستطع المحبة.
أنا ليبرالية…
أؤمن بالخير والعدالة والسلام والأخوة. أعتقد أن البشرية إلى فناء، نعم لا محالة، والكون كله إلى غياب مظلم، نعم هذا قادم، لكنني أقدر كثيراً الوقت الممنوح لنا على الأرض، وأعتقد بقدرتنا على خلق الجمال في أمده. أؤمن أنا أن كل ما في الكون له ارتداد وأثر، لذا كل وجود لنا، كل فعل نأتيه سيبقى يتردد في الكون، فأتمنى أن يتردد الخير والجمال منّا وعنّا.
أنا ليبرالية…
أعتقد أن قيمتي الحقيقية هي فيما أقدمه للآخرين، وأن الحياة تكتسب معنى عندما أعيشها في منتصفها لا لصقاً بحوائطها. أدرك أن منتصف الحياة منطقة حارة تعرضني لآلام كثيرة، ولكنها أفضل وأجمل ألف مرة من حوائط جانبية تظللني بخوفها وأنانيتها.
أنا ليبرالية…
أدرك أنني أجهل أكثر مما أعلم، أداوي جهلي بمحاولاتي الحثيثة، وأدرك أن الفضل الإنساني يتجلى في هذه المحاولات المستمرة. في قلبي وفي عقلي يتساوى البشر، ليس لأحد أفضلية بسبب دينه أو أصله أو طبقته الاجتماعية، لكل إنسان قدسية وحقوق لا مساومة عليها. أدرك أن هذا التقديس لإنسانيتنا ومحاولاتنا الحثيثة للمحافظة عليها هي ما يفرقنا عن بقية الخلق، وهي ما سيحفظ لنا استمرارنا ولو إلى حين. أؤمن أنا تماماً، أن كلنا يريد أن يعيش، كلنا يعتقد أنه على حق، وكلنا يؤمن بحقه بذات الدرجة، كلنا نخطئ، وكلنا نستحق التسامح، كلنا نختلف تماماً وكلنا نتشابه كثيراً، كلنا أتينا من أجداد من زمن سحيق تطوروا جسدياً وعقلياً لنصبح نحن اليوم، وهذه الفكرة تحديداً تضعني بشكل واضح في مكاني الكوني، تنبهني إلى خواء وسذاجة كل تقسيماتنا الطبقية والعرقية، تجبرني على الانتباه لتواضع وجودي وعظمة وروعة تطوره في آن.
أنا ليبرالية…
وأنا شرقية، اسم والدي تميمة في عنقي، واسم زوجي أمانة بين ضلوعي، كما أن اسمي ووجودي أمانة لديهما، أحمل في فكري قواعد أخلاقية وحياتية صارمة، أدرك أن الشرف، وإن كان اختراعاً إنسانياً، إلا أنه أجمل الاختراعات، فهو علامة فارقة في السمو الإنساني، يعطي لوجودنا بعداً أكبر من مجرد البعد الجسدي، لنصبح كينونات نفسية لا تسعى إلى العيش فقط ولكن لكرامة هذا العيش وعزته كذلك.
أنا ليبرالية…
تحرري الفكري أطلق العنان لعقلي في أن يبحث ويتساءل ويتعارك مع نفسه، أعيش بحقائق أصدقها، ولكنني أترك الباب “موارباً” علَّني أكون مخطئة أو مغيبة عن شيء ما. أؤمن جداً بمبادئي وأؤمن أكثر بأخطائي، منها أتعلم أكثر. في ليبراليتي تعلمت أن البشر كلهم على حق، هكذا يعتقدون، وكلهم يستميت للدفاع عن حقه، هكذا ينتهجون، وأن الخلاص يكمن في فهم هذا الاختلاف وتقديسه، هكذا فقط يمكن أن نحيا ونستمر لوقتنا القصير جداً على الأرض. أنا ليبرالية وأحبكم جميعاً.