غريب هو هذا العالم الذي يطلب من الضحية إدانة نفسها، غريب هو هذا الإعلام “الحر” الذي يحاصر الضحية في زاوية، تماماً مثلما يحدث باستمرار مع الدبلوماسيين الفلسطينيين في مقابلاتهم على القنوات العالمية حين يطلب منهم إدانة أنفسهم من خلال إدانة تحرك حماس بل ويراد وضعهم في موضع الحَرج بذكر مقتل مدنيين إسرائيليين دون الإتيان على ذكر قطرة من بحر القتلى الفلسطينيين. أي عالم هذا الذي انقلب على العقل والمنطق مطالباً بإدانة المعتدى عليه بل وبأن تلوم الضحية نفسها وأن تعتذر عن محاولة رد هجمة التطهير العرقي التي تحاصرها؟
في تغريدة له على تويتر يقول والدي عبدالعزيز الخطيب “الشعوب المظلومة المقهورة بكل مكوناتها من حقها الوقوف بعنف في وجه الظالم ولها وحدها أن تحدد كيفية المواجهة والتوقيت ويبقى على الآخرين أن ينطلقوا من مبدأ العدالة والحق في مآزرة ذلك الشعب وتتراجع كافة التبريرات الإنهزامية، شعبنا الفلسطيني في غزة والمناطق الأخري قدم درساً للتاريخ .” من هنا، فإنه يجب اليوم على عالمنا الصامت لمدة قرن من الزمان عن القتل والتهجير والإبادة والطرد والعزل الواقعين في فلسطين أن يقطع لسانه بنفسه حال فكر في مساءلة المقاومة الفلسطينية بأي شكل من أشكالها.
لقد سكت العالم مطولاً عن البشاعة التي تحدث تحت ناظريه في فلسطين كل يوم، سكت وفلسطين تباع بتوقيع في 1917، سكت وفلسطين تمزق في 1948 وسكت وفلسطين تنتفض بالحجارة أمام الدبابات مرة في 1987 ومرة في 2000 وسكت وغزة تتحول أمام ناظريه إلى أكبر سجن في العالم والأرض المحتلة من أمامهم والبحر المغلق عليهم من ورائهم، سكت والفلسطينيون يطردون من بيوتهم في 2022 في حي الشيخ جراح وغيرها بين يوم وليلة لتسلم البيوت الفلسطينية العريقة على عينك يا تاجر لمستوطنين جدد، سكت والأطفال تنحر في صبرا وشاتيلا، سكت والمجازر تتوالى في دير ياسين، بيت دراس، الرملة واللد وغيرها مما لا يعد ولا يحصى من المدن الفلسطينية العريقة، سكت والساسة الصهاينة يخرجون على قنوات الإعلام الغربي “الحر” ليهددوا الفلسطينيين في عقر دارهم ويتوعدونهم بالويل والثبور. ثم نطق العالم، أخيراً نطق العالم اليوم، والكيان الصهيوني يحقق وعوده الدموية ويدك غزة دكاً على رؤوس أصحابها.
وغزة في معظمها مبنية عمودياً، فهي واحدة من أكثر مناطق العالم ازدحاماً حيث يعيش فيها ما يزيد على المليوني نسمة بنسبة 250 شخص لكل متر مربع. وعليه فإن تكلفة الهجوم الجوي منخفضة للقتلة الصهيونيين، قنبلة واحدة على مبنى واحد مرتفع يقتل المئات، إن لم يكن الآلاف من الغزاويين، بل إن الموضوع أهون بكثير من قنبلة، مجرد قطع الماء والكهرباء عن القطاع سيصيبه بمستشفياته بمجملها بالشلل، وبعدها يترك بأهله ليموتوا ببطئ داخلياً. ويسأل العالم: هل تدينون “إرهاب” حماس؟
في سنة 2000 قتل الاحتلال الصهيوني على مرئى من العالم أجمع وعبر البث المباشر الطفل محمد الدرة وهو يختبئ خلف ظهر أبيه، ثم في 2022 قتلت المراسلة شيرين أبو عاقلة أمام ذات العالم ومن خلال ذات القنوات، بل إن جسدها المسجى بقي لدقائق أمام ناظرينا وناظري صحبتها هناك والذين كانوا يصرخون بإسمها ولا يستطيعون الوصول إليها، لنتساءل من خلف شاشاتنا هل هي لا تزال حية أم أن روحها قد غادرت الجسد المسجى؟ وما بين محمد وشيرين مئات ومئات الآلاف من الفلسطينيين، كباراً وصغاراً، أطفالاً وشيوخاً، رجالاً ونساءاً، يقتلون أمام البث الحي، يهجرون من منازلهم، يعتقلون من بيوتهم، يُضربون بالنار عند نقاط “الأمن” وهم ذاهبون لأعمالهم أو مدارسهم. ويسأل العالم: هل تدينون “إرهاب” حماس؟
لا، لن ندين المعتدى عليه في معادلة لا عدالة ولا إنصاف ولا ذرة إنسانية فيها، ولن يلجمنا الحرج لنجبر جبراً على إدانة طرفنا المغتصب المنتهك. أي وقاحة هي تلك التي تمكن وسائل الإعلام العالمية على استضافة فلسطينيين ثم سؤالهم على الهواء مباشرة: هل تدينون حماس؟ وكما قال السفير حسام زملط وهل طُلب ذات يوم من إسرائيلي أن يدين الكيان الصهيوني في مقابلة؟ لماذا هذا التعذيب النفسي المتمثل بالإتيان بالضحية على الهواء مباشرة ومطالبتها بالاعتذار وإدانة نفسها؟ أي وقاحة هي تلك وأي وحشية؟ ويسأل العالم: هل تيدنون “إرهاب” حماس؟
لا، اليوم ندين الإرهاب الحكومي الغربي والذي تصدت له الشعوب الغربية بحد ذاتها، فطوبى لهم، وعاشت فلسطين حرة أبية.