كيف يموت أطفال سورية بتجمد دمائهم القليلة في عروقهم الضعيفة بسبب نقص مأوى دافئ أو لقمة تقيم الأود أو حتى لحاف بسيط يلف الجسد الطفولي البريء؟… ونحن عاجزون أن نضع بينهم وبينه لحافاً، مجرد لحاف؟… فهل الحياة غريبة وتافهة ولا منطقية إلى هذا الحد؟! أم هو نوعنا متوحش بدائي متخلف عاطفياً إلى هذه الدرجة؟!
يوم شاق كانه الأربعاء الماضي 7 من يناير، يوم يأتي بالإنسان إلى ركبتيه وهو يشاهد لا منطقية وعدمية الحياة، عشوائية قسوتها والانعدام التام لأي معنى لأحداثها، فلا درس نتعلم منه، ولا هدف أسمى يتحقق من كل هذا الأسى، لا مظلوم يُنصَف ولا مجرم يعاقب، تستمر الدنيا وكلنا لا نريد أن نميز الفيل الطائر فوق رؤوسنا، فيل قسوتنا ووحشيتنا، واللتين تقودان إلى الكثير من الدماء ثم إلى لا شيء، لا معنى لكل هذا الموت، ولا مغزى لكل أفعالنا التي تقود إليه، حالة من القسوة الصافية الخالية من كل هدف ومعنى.
وإلا فكيف يموت أطفال سورية بتجمد دمائهم القليلة في عروقهم الضعيفة بسبب نقص مأوى دافئ أو لقمة تقيم الأود أو حتى لحاف بسيط يلف الجسد الطفولي البريء؟ انتهى يوم الأربعاء بحصيلة أربعة أطفال موتى من البرد، ولربما العدد أكبر بكثير، فأي معنى لهذا الموت؟ أي مبرر له؟ كيف نستطيع أن نحيا مع أنفسنا والموت يحوم فوق رؤوس الأطفال ونحن عاجزون أن نضع بينهم وبينه لحافاً، مجرد لحاف؟ أي بشرية وأي إنسانية؟ أي تطور وأي تحضر ونحن نشاهد صغار نوعنا يموتون الواحد تلو الآخر ونحن نستكمل حياتنا ببساطة وطبيعية؟ هل الحياة غريبة وتافهة ولا منطقية إلى هذا الحد أم هو نوعنا متوحش بدائي متخلف عاطفياً إلى هذه الدرجة؟
نحب نحن كثيراً بريق الحرب، نولع “بالأكشن” فيها إلى حد المرض، حالة من السادية البشرية تجذبنا إلى التلفاز عندما تدق الحرب طبولها لنشاهد مظاهر التفجير والقتل والدمار، نطوف بالفيديوهات لمشهد رجل يُقتَل أو امرأة تُسحَل أو طفل يجري مرتعداً بين القنابل، نرفق الفيديو بدعاء، ببكاء، بأغنية حزينة، ثم ننسى. وعندما تبدأ المعركة الحقيقية، عندما تستقر المعاناة اليومية ضيفاً مقيماً بين ضحايا الحرب، ندير ظهرنا ونغلق التلفاز، فلا شيء يشتعل على الأرض ولا آخر يومض في السماء، تفقد الحرب بريقها فنتململ ونستدير باحثين عن قصة مثيرة أخرى. نسينا الآن سورية بعد أن خفت صوت إطلاق النار، غير مدركين، أو غير مكترثين بالحرب اليومية الحالية في تأمين اللقمة، في إيجاد عمل، في توصيل طفل إلى مدرسة، في العثور على دواء، في التحصل على دقيقة أمان بين الأربعة والعشرين ساعة رعباً سورياً.
الكبار والصغار يموتون برداً في سورية في شتاء أتى بقسوة مصائرهم، شتاء جاء ليذكرهم وهم لا يحتاجون إلى تذكير أن الدنيا لا ترحم والقدر لا يمهل. ولكن لربما استطعنا أن نفعل شيئاً يخفف من قسوة الدنيا ويعطي معنى لحياتنا وللزمن نقضيه على هذه الأرض، لربما استطعنا أن نمنع الموت ولو لبرهة، أن تكون لنا يد عُلوية لحظية فوق يد عالم لا منطق له ولا معنى، لا هدف ولا نهاية. إن أطفال سورية هم أبناء جنسنا، هم صغار نوعنا في بقائهم بقاؤنا، في سلامتهم سلامة إنسانيتنا، فلنساعد أنفسنا ونساعدهم. سيكون لمجموعة “ليان” فعالية الليلة الاثنين في جمعية الخريجين الساعة 6:30 مساء بعنوان “وردة أغنية كتاب”، سيتمكن من خلالها الراغبون في تقديم المساعدة خصوصاً في مجال الإغاثة الشتوية، للمزيد من المعلومات زيارة موقع “ليان” على تويتر على @LayanGCC. نتمنى رؤية الجميع هناك، لربما أحدثنا فرقاً طفيفاً، أنقذنا حياة، أدفأنا قلباً، بذرنا أمناً، لربما حققنا شيئاً، أي شيء يعطي معنى لكل هذا الفراغ البارد. كونوا هناك.