صفعة قوية على الوجه يستقبلها كل من لديه ذرة من المنطق وقطرة من الشعور الإنساني وهو يقرأ تصريح وزير الإعلام سلمان الحمود ليوم الجمعة الماضي 11 يناير. نعم، اعتدنا على صفعات التصاريح الخاوية، لكن هذه، لي شخصياً، كانت صفعة بالخمس مصحوبة برذاذ ينذر ببصقة مصاحبة. يعني “الكويت مثال للديمقراطية” وقوات الأمن كل يوم تقبض على شباب مكلوم لأسباب تصل إلى “ريتويت” على “تويتر”، نبلعها وهي التي لا تبلع، لكن الكويت “مثال لحقوق الإنسان” وفي ذات اليوم الذي ينتشر فيه خبر متجدد لانتحار إنسان بدون على أرض الوطن، تلك بصقة قوية في وجه آدميتنا وعلى جبهة أبسط المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان.
ذكرني التصريح بصفعته وبصقته بالأسباب الحارقة التي جعلتني والكثيرين غيري نستمسك بموقف المقاطع الرافض، الحكومة هي الحكومة، لا تصريح زاد ولا بيان قل، ذات التعامل المهين الذي يعتقد بسذاجة الشعب وغياب وعيه، ذات الوقفة الفجة والنظرة المتعالية، وكأني بالتصريح ينظر في وجه أمهات المغردين والناشطين المقبوض عليهم وفي وجه أسر الكويتيين البدون الذين يقبع أبناؤهم أسفل أسقف الكيربي المتهالكة لبيوتهم دون تعليم أو عمل أو أمل، لتنتفخ أوداجه، فارشاً نفسه بكل ثقة ولا مبالاة على صفحات الجرائد، ساراً لكل من يعاني: “الكويت مثال للديمقراطية وحقوق الإنسان”، عاجبكم وإلا مو عاجبكم؟
يعتقد البعض بسذاجة المحروم الذي للتو تتفتح حواسه على الديمقراطية أن نشر مقالي هذا هو بحد ذاته أكبر دليل على الديمقراطية، فأما الديمقراطية الحقة، فتلك دنيا مختلفة، تصل فيها الحريات لحد لا يصل إليه وعي حكوماتنا، وهي ديمقراطية “لا تفضلية”، ليس لأحد أن يساومك أو يبتزك أو يذلك بها وكأنها عطية وهبة. الديمقراطية الحقة تبدأ من شعور الشعوب الحقيقي بالاستحقاق، بأنها ملك لهم، حقهم الخالص، وانتقاص ذرة منها، هو انتقاص لكراماتهم الجمعية ولحقهم الإنساني الأصيل. في عالمها، تعتذر الحكومات عن نواقصها ولا تذل الشعوب بإنجازاتها، فالإنجازات واجب لا يستحق الشكر والنواقص آثام تتطلب التطهير.
كما يعتقد آخرون بجهل المرفه الذي تتفتح للتو حواسه على مفهوم حقوق الإنسان أن هذه الحقوق مشروطة، فليس كل إنسان إنساناً يستحق ذات الحياة الكريمة. فالعرق والأصل والدين والطبقة الاجتماعية تحدد نوعك الإنساني، والناس طبقات، ومن في الأسفل يجب أن يبقى في الأسفل، ويا حبذا لو كتم أنينه حتى لا يزعج راحة “اللي فوق”. فأما الحقوق الإنسانية الأصيلة، فتلك لا تقبل المساومة ولا ترضى نقصاً، تطبيقها يترفع عن كل تقسيم أو “تلوين” ويتسامى عن كل مفاهيم الطبقية والفئوية المريضة. الحقوق الإنسانية هي تلك التي تركع أمام الطفل، فلا يرف لمطبقيها جفن في استكمال حقوقه بما فيها التأكيد على سعادته واستكمال طفولته وحقه في العيش الهانئ الآمن.
الحقوق الإنسانية لا تأخذ ابناً بجريرة جد جده، لا تحرم شاباً من تعليمه لأن بطاقة والده منتهية، لا تدفع بالناس لتزوير أوراق ثبوتية حتى يستطيعوا أن يؤمنوا احتياجاتهم الأساسية، الحقوق الإنسانية لا تذل عسكرياً أفنى عمره في خدمة وطنه، فتسحب منه بيته، آخر ما تبقى ليحفظ كرامته، الحقوق الإنسانية لا ترفض مريضاً لا تحرم مجتهداً، لا تذل ولا تضيق ولا تتهم، الحقوق الإنسانية لا “تلون” البشر، فكلهم في لوحتها الزاهية سواء.
كان أطيب وأكثر احتراماً لنا لو أنك لم تقل شيئاً يا سعادة الوزير، أما أن تنكأ الجرح، أن تضغط على موقع الألم، وكأني بك تبارك لأم ثكلى أو تهنئ سجيناً بحريته، بكل ثقة وأريحية، فذاك ما يفوق الاحتمال. لا داعي للتصريحات المتعالية تلك، نعلم أنك في الصف الأقوى، ونعلم أن معتقلي الحكومة، بدونها الكويتيون، عمالتها التي يبيعها ويشتري بها تجار الإقامات كلهم في الصف الأضعف، فلا تزد، حفظ الله سعادتكم، لا تزد، ودع الجراح لأصحابها تهدهدها. نعلم أنك فوق، وقد لا يصلك صوت القاع، لكن صوتكم يصلنا هادراً… فلا تزد.