من أكثر الجمل إيذاء لأذني تلك الجملة الممجوجة التي تقول «المرأة هي الأم والأخت والزوجة»، والتي تستخدم في محاولة كليشيهية لتكريم المرأة، في حين أنها حقيقة غير ذات معنى مطلقا. تبدو قيمة المرأة من خلال هذه الجملة اللزجة السخيفة محددة بعلاقتها بالرجل، أم وأخت وزوجة، فماذا إذا لم تكن المرأة على رأس أي من هذه الوظائف الاجتماعية؟ ماذا لو كانت عزباء بلا إخوة أو أبناء؟ هل ستبقى لها قيمة يشير إليها الرجال (والنساء) السذج في محاولتهم إيهام مستمعيهم أنهم يحترمون المرأة ويجلونها؟
من منا، حقيقة، تريد أن تكون درة مكنونة وجوهرة مصونة مدفونة في طين العادات والتقاليد والقراءات الدينية المتعصبة التي تحرمها التمتع بشمس الحياة لتزهق سني عمرها هدرا، لا هي استمتعت بكونها «جوهرة» ولا هي تخلدت حين دفنت في الطين؟ ما الفائدة من كون المرأة جوهرة إذا لم تلمع في حياتها، إذا ما أهدرتها إنطفاء في اتجاه الفناء الأخير؟ أي معنى لهذه التشبيهات الأنانية الذكورية التي تمتدح المرأة من هنا، ثم تدفنها في الطين اللزج من هناك، اعتقادا من القائل أنه بالنصف الأول من قوله المادح سييسر الانصياع للنصف الثاني من قوله القامع؟
قبل أيام بحثت في «تويتر» عن التشبيهات الأخرى التي ما زالت «تحظى» بها المرأة في بعض العقليات العربية، فهذه التشبيهات تحكي الكثير عن الفكرة التقييمية العربية للمرأة، وعن حقيقة المنظور المجتمعي لها. كان أن وجدت، إلى جانب التشبيهات المتعارف عليها نحو أن المرأة مثل الحلوى، والمكشوف منها يتجمع عليه الذباب… تعابير أكثر «تطورا» مثل أن المرأة مثل الطبق؛ المكشوف منه مهما لذ وطاب لن يكون بجاذبية المغطى منه، المرأة مثل (أو أفضل من) السيارة، حيث يفترض في الرجل أن يرغب في حمايتها من أي خدش، فمثلما هو «يركن» سيارته في الكراج خوفا على صبغتها، فمن باب أولى أن يضع زوجته أو ابنته تحت الغطاء خوفا عليها من الخدش أو ضياع الصبغة الجميلة. هناك كذلك المرأة البرتقالة، وتلك مثبتة بالتجربة العلمية، حيث وضعت صاحبة التغريدة -نعم هي بحد ذاتها امرأة- صورة لوعاء ماء به برتقالتان، المقشرة وقد غرقت في عمق الوعاء، والملفوفة بقشرتها وقد بقيت طافية على سطحه، حيث كتبت صاحبة التغريدة «سبحان الله، المستورة نجحت، والمكشوفة غرقت، السؤال واضح». أما المرأة السلحفاة، فهذه امرأة تمر بأقسى الدروس، فهي حين تقلع عنها قوقعتها تتصور أن تلك هي الحرية، فيما «لا تعلم أنها خسرت ما كان يحافظ عليها ويحميها». المرأة السيجارة مهمة جدا، فهي مثل السيجارة تتعب صدر الرجل وتختلف عن السيجارة من حيث إن الرجل يحرق السيجارة فيما هي (أي المرأة) تحرق الرجل.
بكل تأكيد، ليست هذه التشبيهات حقيقة بجديدة، كما أن الجملة في بداية المقال ليست بجديدة مطلقا، ولربما تلك هي الإشكالية في رأيي. فالذكوريون، ووصولا إلى القرن الحادي والعشرين، لم يستطيعوا بعد تطوير تعابير وتشبيهات أخرى تليق بالزمن والتفكير المعاصر. بلا شك، للكليشيهات تأثير قوي وحضور راسخ عند الناس، فهذه الكليشيهات تسبق ما عداها إلى تفكير الناس عند الحديث في أي موضوع، إلا أن كليشيهات المرأة الجوهرة أو الحلوى أو الأخت والأم والزوجة هي نوع قد عفا عليه الزمن فعلا حتى بات باهت الطعم، ينزلق إلى الجوف دون أن يترك أي أثر، كلمات تقال لترن بسخافتها في الأذن طنينا مزعجا حتى، في تصوري، بالنسبة للمستمعين المتفقين والمنظور التشييئي هذا للمرأة، فحتى محافظي هذا الزمان ينتظرون شيئا جديدا، أكثر فاعلية وألذ طعما.
ووجدت فيما وجدت نصيحة مشكلة في صورة «بوستر» مرسوم وملون بألوان مختلفة، وهو بوستر يعطي نصيحة حول طبخ الزوج، نعم قرأتموها صحيحة، طبخ الزوج. تقول النصيحة المعزاة لسيدة اسمها ليلى العامر (أم رجب) أن «ضعي زوجك في قدر من الاهتمام والمحبة، بس هدي النار، اسكبي عليه حنانك وعطفك، بس انتبهي لا يغرق، حركي المزيج بملعقة من الأعصاب الهادئة، بس لازم تتحملين، ملحيه بقليل من الابتسامة، بس خليها خفيفة، ثم احكميه بغطاء من الثقة المضغوطة، ولا تنسي وتذكري هذه البهارات: لا تناقشي، لا تجادلي، لا تحاسبي، لا تطالبي، لا تعاتبي، إن فعلت هذه الوصية مستعينة بالله، فإنك تملكين قلبه». وأنا أقول ضعيه في المايكرووف، أسرع وأقل كلفة.