ظهرت إحدى مقدمات البرامج قبل أيام على تلفزيون الكويت تتحدث عن ارتفاع نسبة هورمون الذكورة عند المرأة التي تعمل كثيراً و«تأمر وتنهي في العمل وتدير الكثير من الموظفين بالعمل، ويومها تكون في الدوام تقريباً تسع ساعات في العمل وتروح بعدين تمارس الرياضة وتشيل الأثقال» مؤكدة أن هذا كله «كلام علمي». «علمي علمكم» أين هي هذه الأبحاث العلمية التي تؤكد هذا الطرح الخطير، لكن الواضح أن هناك تأييداً جيداً لهذا التوجه القديم المستحدث، وهو الذي كان في الماضي يتكئ على العادات والتقاليد والعيب والمرفوض، ثم أصبح يتعكز على بعض القراءات والتفسيرات الدينية، واليوم أصبح هذا التوجه يقف متصلباً بادعاءات الأبحاث العلمية، تلك التي مثلها مثل بيض الصعو، نسمع بها ولا نرى لها أثراً في أي مكان.
اللافت أنه في القرن الحادي والعشرين أصبح هناك الكثير من الإدعاء على العلم، «ما هي زاطت» على قولة المصريين، فالمقالات المتواضعة تملأ الإنترنت، والذي هو سوق واسع، تستطيع أن تجد فيه ما يناسب كل توجه مهما ساء أو وصلت درجة تخلفه وغبائه. بالتأكيد، ارتفاع نسب الهورمونات الذكورية والأنثوية ليس بظاهرة غريبة، بل هي شائعة لدرجة كبيرة بين البشر وبنسب متفاوتة حسب ظروفهم الصحية، أحياناً بشكل عارض وأحياناً بشكل أكثر إلحاحاً، الا أنه لا توجد أي إشارة علمية إلى اليوم بأن «الأمر والنهي» يرفعان نسبة هورمون الذكورة، أو أن العمل لساعات طويلة يقلل من هورمون الأنوثة، ولو كان هذا صحيحاً لأصبحت معظم ممثلات هوليوود بازغات الأنوثة خشنات المظهر، ولتحولت الجميلات العاملات في الغرب من السابعة صباحاً إلى السادسة مساء لذكور عتاولة، ولتحولت رئيسة وزراء نيوزيلندا الرقيقة إلى صبي ميكانيكي، ولظهرت لي ولزميلاتي في العمل شوارب مهيبة.
الأكثر إلحاحاً هو موضوع ما يحدث للرجل الذي لا يعمل، أو يعمل ساعات قليلة، أو الذي يشارك أو ينفرد بتربية الأولاد أو الذي يطبخ أو يغسل الصحون ولا يمارس الرياضة، ترى هل ترتفع لديه نسب هورمونات الأنوثة؟ هل الرجل الذي يتحمل مسؤولية بيته ويفهم أن عمل البيت واجب على كل من يسكنه، وأنه مشارك في هذا البيت، يستخدم خدماته ويساهم في تقليل نظافته واستهلاك موارده، وبالتالي يستوجب عليه أن يتحمل نصف المسؤولية فيه، هل يتحول هذا الرجل إلى أنجلينا جولي مثلاً؟
ولقد كتب أحدهم في «تويتر» إبان تداول هذا الحوار السخيف الغريب، سخيف الطرح، وأعترف أنه سخيف الردود كذلك، فلا شيء يمكن أن يعطي ردودنا أي ثقل، فالموضوع الخالي من الذكاء يجرك لحوار خال من الذكاء كذلك، لكنه القدر وأفعاله، المهم أن هذا المتحاور كتب يلوم النساء، فهن اللواتي يربين وهن من يزرعن هذه الأفكار الذكورية في عقول الرجال. ولنوضح الواضح مرة أخرى، لا بد من ترديد أن الأفكار الذكورية لا علاقة لها بجنس صاحبها، الأفكار الذكورية ممكن تسكن أمخاخ الرجال والنساء، هي ليست تهمة على جنس ونتائجها ليست من صنع جنس، التهمة ونتائجها صنع العقول ذكورية التفكير بغض النظر عن فسيولوجية أجسادها، هي نتاج الاعتقاد الأبوي الذي زرعته المجتمعات في نفوسنا من أول الزمان.. أن الذكر هو الجنس الأول الأقوى والأعلى، وأن المرأة هي الجنس الثاني الأضعف والأرق، الجنس الذي يستكين في البيت، يخدم الذكر ويزوده بالسلالة ثم يقوم على خدمة هذه السلالة، وأي خروج عن هذه الفكرة يحول المرأة الكتكوتة إلى ديك قبيح.
وبما أن الاستناد علمي في الخطاب العبيط هذا، فليكن الأمر خطاباً مقابل خطاب. اليوم هناك أبحاث، موجودة وموثقة، وإن كانت غير قاطعة بالتأكيد، حول مراجعة التقسيم البشري أصلاً إلى جنسي الأنوثة والذكورة، حيث يرى بعض العلماء أن هذا تقسيم ناقص ومجحف، وأن البشر عموماً أكثر تنوعاً من هذين القسمين. هذا بخلاف أن الدراسات حول موضوع الهورمونات تتناول بالتحليل التوجهات الجسدية الأخرى التي تخرج البشر خارج إطار الرغبات الجسدية المعتادة، والذي هو الموضوع الأكثر حساسية في عالمنا العربي. لذلك، الاستناد إلى الأبحاث العلمية للتأكيد على أن الفرفورة الرقيقة ستنقلب إلى معلم حارة لأنها تعمل ساعات طويلة أو تأمر وتنهي، سيدفع إلى السطح ضرورة الاستناد إلى الأبحاث العلمية «حقيقية الوجود» والتي ستدخلنا جميعاً في حيز «الجماعة» غير قادرة على التعامل معه. اقصروا الشر وخففوا قوة الصواريخ العلمية التي تطلقونها، وعودوا لأسباب العادات والتقاليد والعيب والحرام، هذه أسهل في الطرح وأهون في البلع.