في البرنامج المرئي الترفيهي على متن الخطوط الجوية الكويتية يظهر بداية إعلان يقول «الكويت جميلة والقادم أجمل»، ثم يعدد الإعلان المشاريع المستقبلية القادمة ومنها أطول جسر معلق في العالم، أكبر مستشفى في الشرق الأوسط، جامعة تستطيع ضم ما يقرب من 40 ألف طالب وطالبة وغيرها من الطموحات المستقبلية. أعجبني الإعلان في الواقع حتى أنني حاربت بشدة رغبتي في إطلاق تهكمنا الكويتي التقليدي، ومنعت نفسي من أن أسر لنفسي أن «خير إن شاء الله» و«من يعيش» و«لما نشوف حلمة أذونا» وغيرها من أساليب احتجاجنا الكلامية التي تعد أضعف من أضعف الإيمان. فرحت واستبشرت خيراً وفكرت أن مجرد الطرح المتفائل الذي تحول إعلاناً معروضاً للعالم على متن طائراتنا لهو دليل على أن هناك حركة ما، لا دخان من غير نار، لابد أن هناك جمرا ما مختبئا أسفل رماد حياتنا المتكوم الكثيف.
بدأت بعدها في مشاهدة بعض العروض المسلسلية المترجمة إلى العربية، وبداية لم أصدق أذني، قلت لابد أنه خطأ تقني، ولكن بدا أن ما كنت أعتقده خطأ هو قرار مقنن مقصود. كلما قيلت كلمات معينة مثل حب، قبلة، كحول، وبضع كلمات أخرى لم أستطع تمييزها، يتم حجبها. بعدها لاحظت أن المشاهد مقطعة بفظاظة، حيث تختفي النهايات أو ينقطع المشهد من منتصفه أو تقفز الصورة إلى أخرى في مونتاج رخيص ورقابة مهينة. انتقلت من مسلسل إلى آخر محاولة التأكد من أن الموضوع ليس خللاً فنياً، فتبين لي حقيقة أن كل العروض مراقبة ومقطّعة وبشكل فظ وغير مهني ورخيص التنفيذ، وكل هذا ليس على قنوات تلفزيوننا المحلي، ولكن في البرنامج الترفيهي المعروض على متن الخطوط الجوية الكويتية، واللي ما يشتري يتفرج.
ولا أعرف حقيقة كيف سنبني أطول جسر في العالم ورقيبنا يحرم كلمة قبلة، أو بوجود رقيب أصلاً، كيف سنطور أضخم مستشفى ونحن ممنوعون من سماع كلمة كحول؟ ما مشكلة هذه الكلمات بالضبط؟ أي عار يلحقها وأي فساد ستزرعه هي في عقلية المشاهد إن هو استمع إليها؟ وماذا يقول منعها للعالم عنا ككويتيين؟ كلمة «قبلة» ستفسد أخلاقنا؟ لهذه الدرجة نحن منحرفون؟ يخرج علينا رجالات الدين كل يوم يشنّفون آذاننا بعنفهم والغريب والمؤذي من فتاواهم فيمر حديثهم سالماً غانماً، وكلمة حب الرقيقة هي التي تغطى بومضة صمت؟ التطور والتقدم والتنمية كلها تحتاج لحرية، لبشر مؤهلين، لصناع قرار، لأشخاص قادرين على تمييز الأخلاقي واختياره، ولن يحدث في يوم أن يكون هناك تعمير وتطوير حقيقيان بوجود رقابة متسلطة ودكتاتورية ولو كانت تنويرية، البناء يحتاج إلى إرادة متحررة، والتطوير يحتاج إلى أشخاص مسؤولين، يمتلكون إراداتهم ويستخدمونها. كيف سنتحمل مسؤولية تشييد مشاريع ضخمة ونحن لا توعز لنا تحمل مسؤولية اختياراتنا الشخصية المرئية والمسموعة؟
«آخر شي»:
الحكومة متفاجئة؟ أول مرة يسمعون بفساد معاملات العلاج بالخارج؟