مأساة الروهينغا التي يحاول البعض إظهارها على أنها مأساة اضطهاد ديني هي في الواقع أكبر وأعم وأخطر، هي مأساة غياب هوية، مأساة انعدام جنسية، والجريمة ليست جريمة تطرف ديني، بل هي جريمة تطهير عرقي واضحة حتى إن رفضت رئيسة وزراء ميانمار والحائزة على جائزة نوبل للسلام أونغ سان سو كي الاعتراف بها، والتي يتداعى العالم اليوم إلى المطالبة بسحب جائزتها نظراً لموقفها المتخاذل من القضية. قصة ضياع الروهينغا قصة قديمة، إلا أن وطأتها أخذت في الاشتداد منذ عام 2012 لأسباب غير موثقة تماماً، حين اندلعت أعمال عنف في ولاية راخين بين جنسي الراخين والروهينغا لربما بسبب حادثة خطف من جهة قابلتها حادثة قتل من جهة أخرى. هذه الأحداث هي التي جلبت قصة الروهينغا للسطح، لتكشف لنا ما يحدث حين يغيب التوثيق الرسمي ويغتصب الحق الإنساني الرئيسي للهوية.
تدعي حكومة ميانمار (بورما سابقاً) أن الروهينغيين هم أصلاً بنغلاديشيون، في حين ترفض بنغلاديش الاعتراف بهم كذلك، تتقاذف ميانمار وبنغلاديش هؤلاء بشكل عشوائي بشع، واضعة إياهم في مخيمات حدودية ومستوطنات تقع تحت خط الفقر، معرضة كل الروهينغيين لخطر الإبادة غير المنظورة بما أنهم أصلاً عديمو الجنسية، غير موثقين على صفحة الإنسانية الدولية الرسمية. الروهينغا، طبقاً لموقع الـ”سي إن إن” قد وضعوا خارج 135 عرقا معترفا بهم في ميانمار، ليصبحوا مجموعة معلقة دون غطاء رسمي أو اعتراف دولي يوفران لهم الحماية أو على الأقل الحق في الحياة. الروهينغيون المحرومون من حقوقهم الأساسية والخدمات الميانمارية المتوافرة لنظرائهم من المواطنين البوذيين محرومون كذلك من حق مغادرة ميانمار دون موافقة الحكومة. هذا وهم ليسوا مرفوضين أصلاً من بنغلاديش وميانمار فقط، بل من عدد من الدول المجاورة كذلك مثل تايلند، وماليزيا وإندونيسيا طبقاً لموقع الـ”سي إن إن”.
هل تذكر حالة الروهينغا بحالات أخرى نعرفها؟ طبعاً لا توجد حالة اضطهاد وتطهير عرقي عرفها العالم المعاصر أشد من حالة الروهينغا، فما يتعرضون له من إبادة هو عار على الإنسانية أجمع، وكما ذكرت أعلاه، ليس اضطهاد الروهينغا دينيا تحديداً، وإن كانت ديانتهم الإسلامية تميزهم سلباً وتعزلهم عن نظرائهم الميانماريين البوذ، ولكنه في الواقع اضطهاد عرقي يتجلى في غياب الهوية والتوثيق الرسمي والغطاء القانوني المطلوبين جميعاً اليوم لصون كينونة الإنسان وحماية حياته وتوثيق وجوده. لا خطر يضاهي خطر غياب الهوية، انعدام الجنسية، وها نحن في الكويت، مع فارق الحالة الشاسع طبعاً، نعاني مشكلة توثيق ما يحدث للبدون، من صعوبة إثبات الاضطهاد والتعسف والظلم والذل، لماذا؟ لأنهم أصلاً غير موجودين في الدولة، لا هوية لهم وعليه لا غطاء قانونيا يحميهم، وهذا الغياب الهوياتي والقانوني يؤهل لكل أنواع التعسف والظلم وتغييب الحقوق. الوضع البدوني آخذ في التأزم في الكويت ودول الخليج، وإذا لم يحل قريباً حلولا إنسانية عادلة فإنه سيقودنا إلى صورة مأساوية مشابهة حتى إن اختلفت درجتها، فالاضطهاد يجر اضطهادا، والأسى يجر الأسى، والأجيال تتوارث الظلم والقمع والذل طالما استمرت هذه الممارسات ولم تجد من يوقفها. لابد أن نوقفها.
«آخر شي»: للتبرع لمساعدة الروهينغا زوروا موقع الهلال الأحمر الكويتي.