أنا، أنا من لا يملك شيئاً
أنا، أنا من ليس له أحد
أهيم بك، وأريدك جداً
إنني مجرد لا أحد
لا شيء أملك كي أعطيك…
سوى «أنا أحبك»
تلك الكلمات التي تخترق القلب غنتها الرائعة شيرلي بيسي في الزمان الجميل في عتب يصرخ حباً ويستصرخ عطفاً من حبيب تائه في حب آخر، حبيب قاس في لا مبالاته غير المقصودة، حبيب يأخذ عينيه بريق الأشياء الثمينة التي لا تمتلك المحبة منها شيئاً، فلا تستطيع، كما تقول كلمات الأغنية، سوى أن تدفع بأنفها على زجاج الواجهة لتشاهد الحبيب مع أخرى، يراقصها، يبثها لواعج القلب بلغة العيون، غير آبه بما لدى الحبيبة الحقيقية الواقفة في العراء، هذه اللاأحد، هذه التي لا تمتلك شيئاً، من حب صادق… حب صادق فقط.
ولأن الكل يغني على ليلاه، فقد بعثت هذه الكلمات في عجزي وقصر يدي وقلة حيلتي وضآلة أهميتي رياح حياة قوية قاسية ومؤلمة، مَثلي كمثل أغلبية محبيها المخلصين، نقف من بعيد، نحن، من لا نمتلك شيئاً وليس لدينا أحد، تصطك منا السيقان، يهرب من رؤوسنا الدم نازفاً إلى أسفل أقدامنا، يطغى بياض عيوننا على بؤبؤها الأسود، فيعم الظلام، ونتخبط… نتخبط في حبها، في خوفنا عليها، في خوفنا على مستقبل أبنائنا معها.
من بعيد، أحبة مشردون منبوذون، تحت رذاذ الصفقات الآثمة والخطط اللئيمة الحارقة، نترنح على سيقان هشهشها الحب والخوف… هم، من يملكون كل شيء، هم من لديهم «كل أحد» يستطيعون الذهاب إلى أي يشاؤون، أن يصاحبوا من يريدون، أن يعشقوا من جديد، أن يخرجوا في مواعيد غرام من جديد، أما نحن، فليس لدينا سواها، هي الموطن والسكن، وهي المأوى الأزلي في نهاية العمر… هم يتنقلون بين اختياراتهم، ونحن منذ اختارها قدرنا لم نفكر في سواها، ليس في عيوننا سوى حبها، ليس لأولادنا من مستقبل سوى معها، هي كل الحب، هي كل المستقبل، هي كل الحياة.
من خلف الزجاج السميك نشاهدهم يراقصونها بخلاعة، يتحسسون منها الجسد الطاهر لينهشوا من حسنها ونقائها، بينما نقف نحن في خزي العجز، نشاهدها تنتهك، فلا نملك إلا أن ندس أنوفنا على رقاقة الزجاج، ونسائلها ونحن ندق الواجهة بقبضتنا بهمس باكٍ، لمَ اخترتِهم؟ لمَ راقصتِهم وتركتِنا نحن المحبين المخلصين في العراء؟ يشترون لك الألماس، ولكن ألا تدركين أنه يتحول تراباً قرب حرارة محبتنا؟
نحبك، نحبك ولا نملك شيئاً كي نلفت نظرك به، لا نملك سوى قلوباً صادقة ومصيرا متوحدا بمصيرك، نحبك ولن نيأس من انتظارك، خلف الزجاج السميك، في العراء، تحت المطر، لحين تكتشفين أغراضهم الخبيثة، وتتبينين القلوب الصادقة، ومثلما تنتهي الأفلام السعيدة، تفلتين من قبضتهم الحاقدة وتنطلقين إلينا في عرائنا و»لا شيئيتنا» تضميننا تحت المطر وتصحبيننا… إلى المستقبل.