هل نحن شعب نصاب؟ أعتذر والله، أعلم أن الكلمة ثقيلة، وأسلوبها ليس مما أتبعه أو أؤمن به، ولكن السؤال مستحق بلا شك، لا يتقبل صياغة غير تلك ولا يتحمل تخفيفاً أكثر من ذاك. لماذا نحن صامتون إن لم نكن جميعنا مستفيدين؟ لماذا لا تطفو الفضائح ببطنها مقلوباً فوق مياه حياتنا ونحن نعلم يقيناً بوجودها، إلا إذا كان كل منا رابضاً فوق فضيحة حامياً لها من الصعود، ساتراً عليها من الظهور؟ هل هناك شخص كويتي واحد، واحد فقط، يعمل في جهة حكومية لا يعرف آخر يزامله من قريب أو بعيد لا يقترب من مقر عمله ولا يضع قدماً على عتبته؟ من منا لم يمر عليه “سوبر هيرو”، يعرفه بالاسم ولا يراه، له مكتب لا يمس، ومسمى وظيفي لا يفعل، تحميه علاقاته من وعثاء العمل، وتحفظه وساطاته من كآبة المنظر، ويؤمنه نسبه وحسبه من سوء المنقلب في المال الذي يصله شهرياً إلى بيته وفوقه بوسة؟
كلنا نعرف هذا السوبر إنسان، لربما كلنا نتمنى أحياناً أن نكونه، ولكننا لسنا هو، فما الذي يسكتنا يا ترى؟ لماذا نحن كلنا كشعب مجمعون على إنقاذه والتستر على بلواه؟ إن لم يكن من باب إحقاق الحق والخوف على مصلحة العمل والبلد وبقية هذا الكلام الذي لا يطعم خبزاً، أفلا نشي به ولو من باب الغيرة المحمودة؟ ألا تتحرك في نفوسنا غضبة ونحن نعمل وهو جالسٌ تحت الشمسية يرشف عصيره وينشف مايوهه من بلل الفساد الذي يسبح فيه كل يوم؟ لا نسكت إلا إذا كانت لنا منفعة، هكذا يقول المنطق، فمن المستفيد وماذا يستفيد؟
يبدو الجواب المنطقي أن عددا هائلا منا تحول، بصورة أو بأخرى، إلى سوبر بشر، له علاقاته ووساطاته التي تسهل أموره وتقيه شر معاناة نتاج كسله. بدأ الأمر بالاحتياج للواسطة للحصول على حق مستحق سينهبه آخر في غيابها، وتطور الأمر إلى استخدامها لنهب حقوق الآخرين، وانتهى الأمر إلى نهب حق الدولة في تقديم العمل مقابل الأجر الذي يؤخذ منها. كلنا غرقنا في هذا الفساد بصورة أو بأخرى وبدرجة أو بأخرى، ولكننا، وخصوصاً صغار السوبر بشر منا، نخاف إن فتحنا أفواهنا أن نفقد أقل القليل من وساطاتنا التي تسير أمور حياتنا، والبعض منا يخشى إن وشى على الفساد أن يغدر بقية السوبر بشر به، فيقف وحده دون حماية أو سند له في معركة هو لا محالة خاسر لها في النهاية.
وهكذا، كلنا نعلم، وكلنا نذهب في طرق حياتنا نمثل أننا لا نعلم، نتصرف وكأن هناك “سيستم” حقيقيا يسير أمورنا، فيما نحن نعلم علم اليقين أن ما يديرها هو شبكة اجتماعية معقدة التشابك عصية على الاختراق، تفوق الدولة في قوتها، فنسرّ لأنفسنا أن من أين لنا بالقوة لمحاربتها، وأن من سكت سلم وأن “قليل الكلام تخرج بسلام”*. وعموماً، من يريد فضة الكلام إذا كان السكوت من ذهب؟
*هذه الجملة مكتوبة نقشاً على مدخل قاعة الحكم الرئيسية في قصر الحمراء في غرناطة.