فصام

مرة أخرى يتفاعل مجتمعنا بنوابه وساسته بأسلوب المتفاجئ مع أحداث خلقناها جميعاً ورعيناها ورقدنا على خرابها حتى نضج وفقس لنا عنصرية وتخلفاً وتراجعاً مريعين. ما الغريب في أن تتجه وزارة الأوقاف إلى منع تعيين من لا تلبس العباءة؟ لِمَ يتفاجأ الناس ويزبد النواب ويرغي الساسة وكأنهم لم يشهدوا الطبخة بأنفسهم، بل يساهموا في مقاديرها؟ ألم يكن لنا علم بأن الناس يوظفون على أشكالهم وملبسهم وأصولهم وفصولهم ومذهبهم، وكل التقييمات الأخرى عدا تلك المرتبطة بجودة الأداء والاستحقاق الأكاديمي؟ صدمة يعني؟

أعرف جمعيات تعاونية يستحيل أن توظف نساء غير محجبات، كلام قديم هذا لا شيء جديداً فيه، ويعرفه أغلب أهل الكويت، وأعرف أن هناك مدرسات تربية إسلامية يرغمن طالباتهن على لبس الحجاب في حصة الدين، معلومة تعرفها كذلك أغلب أسر الكويت، خصوصاً التي لديها صغيرات في المدارس الحكومية. نعرف أن الدولة تتجه إلى التطرف الديني على الرغم من العزل الممنهج لـ”إخوان” الكويت بعد أن انضموا إلى المعارضة، وعلى الرغم من سقوط السلف من كرسي الحظوة لذات الأسباب السياسية، وإن اختلفت في مقدارها ونوعيتها.

وعلى الرغم من كل محاولات إظهار المجلس ونوابه وساسته بمظهر متحضر بعيداً عن أسلمة القوانين وتطرف القرارات ومذهبية التوجهات، فإن الحقيقة “تخرم” عين الشمس، وأفضل متحررينا الذين يعتقدون بمدنية الدولة صوتوا مع قوانين غارقة في تطرفها وآخرها قانون “إعدام المسيء”، فأي مفاجأة تدعون وأي صدمة تعانون، والجميع وضع يده في عجين خبزة التطرف؟ أتخبزونها وترفضون مضغها بعد ذلك؟

والشيء بالشيء يذكر، ففي اجتماع لي مع مسؤولي إحدى السفارات، ذكر لي أحد الحضور أن دولته لا تعتبر الأسرة أسرة متكاملة إلا إذا كان طرفاها عاملين، فالأسرة المتكاملة هي تلك التي يعمل أفرادها داخل البيت وخارجه بالتساوي على بنائها وتوفير احتياجاتها. ونحن… “الله علينا نحن”… نعيش في دولة تعلم بناتها وأولادها مجاناً كل سنوات أعمارهم، وإلى مرحلة الدراسة الجامعية وأحياناً ما بعد ذلك، ثم يأتي من يقترح أن تكمل الدولة جميلها فتدفع لبناتها تحديداً ليبقين في البيت بعد الدراسة، وآخر أن تُختصر مدة عملهن ويُعجل موعد تقاعدهن، “طيب ما كان من الأول”، ما لزوم كل هذه المصاريف إذا الغرض هو الدفع بالمرأة وبكل المغريات المتاحة للجلوس في البيت؟

ثم سيأتي يوم تزول فيه عنّا مظاهر الرفاهية، تختفي مصادر عيشنا الريعي ويصبح علينا أن نعمل، حقيقة، لنؤمِّن قوتنا على غير ما تعودنا. يومها، سنثور، سنتفاجأ، يا إلهي، ماذا حدث؟ كيف تبددت أموال الدولة؟ لمَ لا يستطيع أهلها أن يحملوا احتياجاتها العملية على أكتافهم؟ ولا كأننا لعبنا بالحلال، ولا كأننا دفعنا بالمرأة دفعاً لتترك مكانها المجتمعي الكبير لآخر محدود، ولا كأننا رسمنا الرسمة بكل تفاصيلها، فقط ذهول وصراخ واستياء بعد أن اكتملت الصورة وظهرت بشاعتها.

“لطيفون نحن جداً، نُموِّت الواحد ونمشي في جنازته”، نتطرف ونتعنصر ونتمذهب، ننتخب المتطرفين ونعطي ثقتنا للطائفيين، ثم نشتكي مجلساً طائفياً ونتفاجأ أن البلد يتجه للتطرف، نداوم نصف يوم، نتكبرعلى الكثير من الوظائف، نغري المرأة بأموال نملكها اليوم ولا نملكها غداً لتبقى في البيت جوهرة مصونة ودرة مكنونة، ثم نتفاجأ أن البلد يتجه للانحدار العملي.

“لطيفون نحن… ونحن دوماً متفاجئون”، كأننا ننام بشخصية ونصحو بأخرى، فلا تدرى شخصيتنا اليمينية عما فعلت اليسارية، رعانا الله وحفظ لنا “تعدديتنا”.