أنا أعتقد، وأحياناً كثيرة تكون اعتقاداتي تالفة بتلف الموضوع المطروح، أن الاقتراحات المقدمة من نوابنا الإسلاميين على قانون عمل المرأة، تناسب بعض الحالات الرجالية أكثر من المرأة نفسها. إليكم كيف توصلت إلى هذا المعتقد العتيد.
نظرة سريعة إلى مقترحات النواب الإسلاميين المدسوسة فيما يعرف بقانون المرأة كفيلة بأن تكشف تقييمهم النفسي والاجتماعي والبيولوجي للمرأة كإنسان، ثم تقييمهم المدني لها كمواطنة في دولة متحضرة.
أساساً، ليس هناك مسوغ منطقي أو دستوري لصياغة قانون للمرأة، فهي ليست «فئة خاصة» في المجتمع، هي الأغلبية فيه في الواقع، كما أن الدستور يرفض التمييز بين الجنسين كأحد صور العنصرية البغيضة بين البشر، فكيف يتم سن قانون كامل للمرأة في تباين واضح مع روح الدستور؟
لجنة المرأة النشطة في مجلس الأمة رفضت عدداً من القوانين وعدلت على عدد آخر، ملحقة الرفض والتعديل بشرح واف لأسباب استحالة تحقيق هذه المطالب التي، عن حق، تظهر المرأة وكأنها مخلوق قاصر جسدياً وأحياناً نفسياً، يحتاج إلى رعاية خاصة من الدولة، وإلى وصي على حياتها في كل مراحلها العمرية.
لم أسمع من قبل بدولة تعلم أبناءها مجانياً طوال سنوات تحصيلهم العلمي ثم تدفع لمواطنيها ليبقوا في بيوتهم، خصوصاً أنها دولة تدفع ولا تقبض ضريبة ولا تحصِّل فواتير، ولم أسمع بدولة تسن قوانين تعتمد على فكر اجتماعي جائر يضع أعباء البيت كلها على أكتاف المرأة، وبالتالي توصي لها بإجازات وعلاوات وسنوات خدمة قصيرة بل مدخول تأمينات اجتماعية دون أن تعمل في حياتها قط، مما يصل بها إلى أن تقضي معظم، إن لم يكن مجمل، سنوات عملها في البيت، متنقلة بين إجازة وأخرى، مما يحرمها فرصة إثبات ذاتها ويضيع عليها كل فرص التطور الوظيفي والمساهمة الحقيقية في بناء مجتمعها.
هذه القوانين التي ظاهرها رحمة وباطنها إقصاء ستخرج لنا في النهاية طبقة نسائية منقطعة عن مجتمعها، متجردة من كل المهارات العملية، رعوية معتمدة على الدولة وعلى الرجل الوصي عليها، منعزلة تماماً عن مراكز صنع القرار، بانتظار ما تجود به الدولة أو الوصي عليها دون أن تستطيع أن تساهم حتى في تشكيل القرارات الوطنية الخاصة بها. إنه إقصاء وتهميش بل وأد للطموحات والقدرات والمهارات النسائية إلا إذا… عم الظلم، فعندها يصبح، في منطقنا العربي، عدل. نعم، بالإمكان نفي كل هذه النوايا السيئة لو طبق القانون عدلاً على الجميع بغض النظر عن جنس المواطن، فعندنا مثلاً حاجة ماسة إلى توفير إجازات وعلاوات وهبات للرجال المتعددي الزوجات حتى يستطيعوا أن يقضوا وقتاً أطول في بيوتهم لتأدية واجبهم المنوط بهم تجاه عائلاتهم الممتدة.
لدينا مثلاً في مجلس الأمة نواب على ذمتهم مثنى وثلاث، ولا أدري عن الرباع، ولكنني أعجز عن تخيل كيف يمكن لهذا النائب أن يكون برلمانياً جيداً وفي نفس الوقت زوجاً جيداً لاثنتين أو ثلاث أو أربع وأباً جيداً لأبناء كل هؤلاء الزوجات، تلك والله حالة اجتماعية تفوق أي قدرة جسدية أو نفسية إنسانية، وعليه أجد أنه من الضروري، وطبقاً للتبريرات الواردة في قانون المرأة، أن يُلزم الرجل المتعدد الزوجات البقاء في البيت، حيث تحظر عليه الأعمال المستهلكة للوقت والجهد خصوصاً العمل البرلماني بكل أشكاله وصوره، وأن تؤمّنه الدولة مادياً ومعنوياً، ولا بأس من إخراج زوجاته للعمل للمساهمة في إعالة الأسرة، وذلك لإحقاق التوازن بين مبدئي «الوظيفة الأسرية والاجتماعية» التي هي السيمفونية الأكثر إلحاحاً في أوبرا مجلس الأمة و»خدمة البلد»، وهي السيمفونية التي انقطعت حبالها وأصبحت من التراث القديم، فمنطقياً، كل واحدة من الزوجات مسؤولة عن زوج واحد وعدد من الأطفال، أما الرجل العامل المشترك، فهو مسؤول عن كل الزوجات والأطفال، وذاك لعمري مجهود يفوق الخيال.
إن كان الاقتراح سخيفا مضحكا، فذاك ما يتجلى في اقتراحات قوانين المرأة التي ردتها لجنة المرأة النشطة مشكورة، وإن كان مهيناً مذلاً فذاك ما تشعر به أي امرأة تجد نفسها مساوية للرجل في مواطنتها وإنسانيتها، وان لم يكن لا هذا ولا ذاك، فلا بأس، إذ ستمتلئ الكويت عندها بسيدات بيوت «قارات» في البيوت ورجال «معددين» على الأرائك «منسدحين»، لاهمّ لهم سوى زيادة عدد الكويتيين، الذين سيبقى معظمهم في البيوت كذلك. ومن هنا، فأنا أتبنى اقتراح الفنان سعد الفرج، مع مراعاة فرق العملة بين وقت مقترحه والوقت الحالي: أن تعطي الديرة مبلغ مليون وفوق لكل مواطن كويتي، وتقول له «كيفك، ابتلش أنت بأجيالك القادمة».