يبدو أننا مخطئون كل هذه المدة، نحن دولة مؤسسات في الواقع، ففي دولة المؤسسات لا يستطيع أفراد عابرون على المناصب والسلطة أن يغيروا الأوضاع، هي دولة تديرها مؤسسات عميقة الانغراس في كيانها، وهكذا، لا يتغير شيء من أوضاعنا، ذهب مجلس أو أتى مجلس، صوّت الناس لأربعة أو صوّتوا لواحد، تسيّد الإسلاميون المناصب أو تبوأها الموالون الحكوميون. لا يتغير شيء في إيقاع حياتنا، وكأن القدر طوّقنا في حلقة مفرغة لا يمر فيها زمن.
ذهبت القوى الإسلامية وأتت القوى الموالية، ذهب “الليبرال” والاشتراكي وكل أصحاب الفلسفات التي لا تطعم خبزاً كما كانت الاتهامات دوماً تقول، وأتى الحكومي القح “لحكومة متنورة وسلطة قوية تقدمية”، فماذا حدث؟ منعت كتب وأوقفت حفلات ووزعت الهبات داخلياً وخارجياً وسوندت الحروب ضد عرب آخرين، وتفشت الحوارات الطائفية والصراعات الفئوية، و”يا دار ما دخلك شر”، ومثل ما ذهبنا عدنا. صامدون نحن ضد أي تطوير، مقاومون لمتغيرات الزمن، حتى نبدو وكأننا على عقرب ساعة لا يتحرك مهما أعملت فيه من قوى تدفعه، ومن زمن يغير مكانه.
نحن بلا شك دولة مؤسسات، يتغير فيها الأفراد، لكن الفساد على ثباته، والتطرف على قوته، والتراجع على سرعته. وعليه، فإن تصريح الدكتور بدر العيسى وزير التربية ليس بمغاير لما يتحدث به عامة الناس، فالمؤسسات التعليمية بمجملها، وليس التطبيقي بمفرده، هي تحت سلطة القوى الدينية، سواء كانت سلطة حقيقية فاعلة أو سلطة ماضوية لا تزال ذكراها تثير الذعر في النفوس. يشعر بهذه السلطة وتأثيراتها كل من يعمل في مؤسسة تعليمية في البلد، ولا أحد يعلمها أكثر من موظفي وزارة التربية، ولا أحد يشعر بتغلغلها أكثر من المطلعين على المناهج الدراسية التي تعيث فساداً في عقول أبنائنا.
أما ما يخص السلطة القبلية على التطبيقي، وكان المثير للامتعاض هنا هو فهم إشارة الكلمة للقبائل وليس للقبلية بمعنى الفئوية والتحيز، فلا أدعي علماً بواقعيتها، ولكن، إن صح الاتهام، أليست هي حقيقة أن البلد مقسم فئوياً وأن مؤسساته محاصصة بين طوائفها وقبائلها وأسرها؟ ألا نعلم جميعاً أن هناك أماكن تتحكم فيها قوى القبائل وهناك مواقع تطغى عليها قوى “العجم” والشيعة وأخرى محسوبة على أسر معينة؟ ألا نرى أحياناً إعلانات في الجرائد تطلق باسم أسر معينة وقبائل معينة وطوائف معينة وكأنهم مؤسسات داخل مؤسسة الدولة؟ والأهم هو ألا نعلم جميعاً أن القوى الحقيقية في البلد مقسمة بين قوى السلطة وقوى عائلات التجار، وهؤلاء لا يضاهيهم لا القبائل المسكينة ولا الطوائف الفقيرة، ولا أي تقسيمة أخرى في البلد في القوى والتسلط والتحكم؟ لربما أثار التصريح كل هذا الغضب لأنه أتى على ما يعلمه الكل ولكنه لا يقال، ولأنه أتى على ذكر فئة في البلد وأهمل فئاته الأخرى، ونحن بلد يحب المساواة والإنصاف، فإن كنت ستحاصص، فعليك بذكر كل الحصص وكل القائمين عليها، وهكذا يتساوى الجميع في الخراب.
نحن بلد لا يعرف من حل المشاكل سوى تعريتها وإلقاء ثيابها على الآخرين، فمشكلة التطبيقي مثلاً ليست ضعفا داخليا في إدارتها ولربما في لوائحها، لا تعاني مثل كل مؤسسات البلد الأخرى من “الواسطة” والمحسوبية والإهمال، مشكلتها في الإسلاميين والقبائل، فهؤلاء حالياً شماعتنا الداخلية التي نعلق عليها كل مشاكل البلد مثل الشيعة الذين هم شماعة خارجية نعلق عليهم المشاكل الخارجية، أما البلد وإدارته وحكومته وسياساته وتنميته ومجلسه، فعين السيح، والله ولي التوفيق.