كتبت المغردة شروق على تويتر تغريدة تشير فيها إلى حقيقة اجتماعية واضحة مفادها أن الرجال الذين يهمهم كثيراً أن يكونوا رجالاً “لا يبذلون أي مجهود يؤهلهم لهذا المسمى،” فيم هؤلاء الذين “ما همهم المسمى ومعانيه عند العامة” هم فعلاً “أوادم” على حد تعبيرها. تحضر هذه “الحقيقة”، مع التحفظ على المعنى المطلق لكلمة حقيقة” في كل جانب من جوانب حياتنا الاجتماعية التي يحاول خلالها الرجال، خصوصاً الشرق أوسطيون، إثبات رجولتهم وفرض سلطتهم. شيء ما مسكين، متواضع، في محاولات بعض الرجال المستمرة إبراز “رجولتهم” وتعزيز مكانتهم الاجتماعية الفوقية السلطوية، سواءً في علاقاتهم مع النساء من حولهم أو في طريقة إبرازهم لأنفسهم في مجتمعهم الرجالي الداخلي.
وكنت قد كتبت سابقاً حول موضوع الجاذبية الإنسانية الحقيقية للرجل الواثق من نفسه، هذا الذي يتصرف وهو يعرف أن شريكته له، لا يحتاج لأن يبرز عليها ذكوريته برفع صوته أو استعراض قوته الجسدية أو التهديد بسلطاته القانونية أو الاجتماعية. هذا الرجل هو الأكثر جاذبية والأعلى “رجولة” على الإطلاق، بالمعنى الجاذب لكلمة رجولة وما تفضي عنه من أوصاف الشهامة والقوة النفسية والمروءة، وذلك مع التحفظ التام على إلصاق هذه الصفات بالرجولة والرفض التام لحصرها فيها، إنما أقدم أنا توصيفاً نسائياً بحتاً لما تراه معظم نساؤنا (ورجالنا) على أنه يستحق أن يوصف أنه رجولي بحت، أي أنني أستخدم الكلمة بمعناها التقليدي الشائع وبمنحى تقدمي إنساني عام.
فما لا يعرفه معظم الرجال أن الغيرة المتطرفة، الغضب والانفعال حماية لمفاهيم السمعة والشرف (في الغالب في مواقف لا تستحق الغضب والانفعال)، الإصرار على حجب الأنثى أو حتى منع ذكر إسمها بدافع الحمية والرجولة، مراقبة المرأة تركيزاً على مظهرها والاحتجاج “الآمر” على ملبسها، كلها، وخصوصاً الأخيرة، أي الاحتجاج على الملبس وأمر المرأة بتغيير ملبسها أو تطويل فستانها أو ما إلى ذلك، من شأنها فعلاً أن تقلل من قيمة الرجل وأن “تتواضع” بمستوى فكره واهتماماته. الرجل الذي يسير محوطاً على أنثاه، غاضباً من أي التفاتة لها، ثائراً تجاه أي تفاعل معها من العالم الخارجي، هو حقيقة يرسل رسالتين رئيسيتين: أولها أنه معدوم الثقة في نفسه، يعتقد أن كل رجل آخر أفضل منه وبالتالي يخشى منافسته له، حتى لو كان هو أخ أو أب، فهو يخشى المنافسة على الطاعة ولا يقبلها على قوة ذكورته، وثانيها أنه متهور لا عقلانية تحكمه ولا ثقل نفسي ينظم حياته. الانفعال بالعموم يضعف الإنسان ويقلل من قوة حجته ومن ثقل وأهمية آرائه عند الآخرين، وكل هذه السلبيات تتضاعف حين يصاحب هذا الانفعال مشاعر ذات صبغة بدائية كالغيرة المبالغ بها أو التزمت ذكوري الفحوى.
واقع الحال، أن صراع الذكور على الإناث هو صراع بدائي جداً، فغضبة الذكر من اقتراب آخر من أنثاه له جذور جينية بقائية لا علاقة لها بمفاهيم السمعة والشرف و”سلامة عود الكبريت” المتداولة في الحضارات اللاحقة. إلا أن عالمنا الذي جد تحولاً إلى ذكورية “فخمة” عصابية الافتخار بنفسها، قلب مفاهيم البقاء إلى مفاهيم أخلاق، محولاً وسائل الدفاع البدائية عن النفس والحياة كالغضب والعنف الذكوريين إلى مظاهر عزة وشهامة وغيرة رجولية، وهي، أي هذه الغضبات ومظاهر العنف الذكورية، حقيقة أيها السادة الرجال، لا تساوى “نكلة” في عرف المنطقية الواعية الرزينة عند النساء.
إذا أردت أن تحوز على إعجاب امرأتك وأن تضمن إخلاصها، لا “تنفش” ذيلك الطاووسي بمناسبة وبلاها. بعد زمن يفقد الذيل الملون إبهاره، وتتحلل عملية نفشه وفرشه من تأثيرها، ليتحول نفش الذيل مع الزمن إلى عملية كوميدية قد تتفاعل معها المرأة أمامك إرضاءً لك أو اتقاءً لشرك ولكنها تسخر منها حقيقة وراء ظهرك. احترامك الإنساني، أو إن شئت الرجولي، لا يتحقق بالصراخ والتخويف والأوامر التي تتدخل بهبوط وسخف حتى في أدق تفاصيل حياة ومظهر المرأة، إنما احترامك الإنساني والرجولي يتحقق حين ترى فيك نساؤك، زوجتك، أمك، أختك، إبنة عمك، إنساناً واعياً واثقاً من نفسه، يعلم أنه مصان لأنه يستحق أن يكون كذلك، نساء حياته يحترمنه عن استحقاق لا خوف. كن رجلاً لا يحتاج لأن يُراِقب، فشخصيته تفرض نفسها بل وتجمل رقابتها دون وجود فج وثقيل لصاحبها، كن رجلاً لا يحتاج لأن يأمر وينهي ويصرخ ويخيف، فطبيعته وعقليته ومنطقيته تفرض رغباته حباً وكرامة وعن طيب خاطر والأهم عن اقتناع وتصديق، كن إنساناً يلزم حدوده ويعرف أنه مجرد إنسان، لا سلطة له على غيره، ولا حاجة له أصلاً بها إثاباً “لرجولته”، كما ويعرف أنه ليس لتصرفات الآخرين، والأخريات في هذه الحالة، من تأثير حقيقي على سمعته، فالإنسان مسؤول عن تصرفاته، وتصرفاته هو فقط. الرجل الإنسان الحقيقي لا يستجدي إخلاصاً بالغضب، ولا يفرض محافظة بالتعنت، ولا يهيمن على أهله (نسائه وأبنائه) بالصراخ والتهديد والوعيد. الرجل الحقيقي لا يحتاج كل ذلك، يكفيه أنه هو.