علبة

علب صغيرة على الربوة

علب صغيرة مصنوعة من مواد رخيصة

علب صغيرة على الربوة

علب صغيرة كلها متشابهة

واحدة خضراء وأخرى وردية

واحدة زرقاء وأخرى صفراء

وكلها مصنعة من مواد رخيصة

وكلها تبدو متطابقة

والناس في البيوت

كلهم ذهبوا للجامعة

حيث وُضِعوا في علب

وأصبحوا كلهم متشابهين

وهناك أطباء وهناك محامون

ومديرو أعمال

وكلهم مصنعون من مواد رخيصة

وكلهم يبدون متطابقين

(للفنانة مالفينا رينولدز، كتبتها في 1962، الترجمة لي)

أكلفكم أنا بعض الشيء يا أولاد، ولا أراكم إلا حاملين العبء دون اعتراض أو تذمر. أنتم لا تحكون، لا تظهرون، أرى ابتساماتكم الرائقة، فتمر الأيام بسلام، لا أدري كم هي مسالمة هذه الأيام معكم، لكنني أدري أنكم مثل والدكم، تغفرون دون كلام، تحبون دون شروط، وتحيون عن طيب خاطر حياة هي ليست الأسهل أو الأكثر متعة.

كان من الممكن يا أولاد أن نختار أنا ووالدكم حياة مختلفة، كان يمكننا أن نعيش في علبة على الربوة، مشابهة لكل العلب الأخرى، كان من الممكن أن نوفر عليكم عناء التفكير والصراع الداخلي، أذى الكلام الذي تسمعون أو تقرأون، فنبقيكم في علبة، تذهبون منها إلى علبة أخرى، ثم تتوظفون في علبة ثالثة وتتزوجون في رابعة ومن علبة إلى علبة تقضون حياتكم بيسر وسلاسة، ولكن أي حياة هذه التي تقضونها بين الجدران؟

طلال وصفاء وياسمين، شجيراتي الباسقات، استثماري في الحياة، المستقبل الذي لن أعيش والأحلام التي لم أحقق، هل كنتم لتكونوا أسعد لو أننا عشنا في أمان القيود؟ هل كنت يا بكري يا طلال لتصبح من متابعي النظريات الفيزيائية لنيل ديجراس تايسون وستيفن هوكينغ؟ هل كنت لتقرأ لريتشارد دوكينز وإدوارد سعيد وشكسبير؟ وأنتِ يا صوفي يا بكر البنات: هل كنت لتقودي حملاتك الثورية وتسعي في قضاياك الإنسانية التي بدأ شعورك العميق تجاهها وأنت بعد طفلة صغيرة؟ وأنت يا ياسمينة يا آخر العنقود: هل كنت لتنتهي من قراءة “عالم صوفيا” وأنت بعد في الثانية عشرة طفولة؟ هل كنت لتحفظي أسماء مؤلفي وعناوين معظم المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية القديمة التي أسمعك تترنمين بنغماتها؟

أي حياة تلك التي كنا لنحياها، يا أبا الأولاد، لو أنك اخترت أن تعيشنا في الظلام؟ كان بإمكانك أن تعيش وحدك في الشمس وتتركنا في الظل فتريح رأسك من أوجاع الكلام والملام، المجتمع يبيح لك، القراءة الدينية السائدة تبرر لك، إلا أنك اخترت لنا النور، فأشرقنا جميعاً في لجته، اخترت الهواء والسماء، فعشنا ربيعاً دائماً دون أن يتسرب إلينا عفن الظلام أو عطن الركود، حياتنا نعيشها في جو صحو على مدار السنة، فما كانت لتكون لو أنك اخترت لنا علبة؟

في اتفاق صامت ما ناقشناه في يوم أراكم جميعاً تشقون الطريق الوعر، لا تشتكون ولا تمتعضون، تدفعون ثمن الحرية عن طيب خاطر. يا أولاد، أنا لا أريد أن أضعكم في علبة أخرى أكتب عليها الحرية، أريدكم أحراراً حقيقيين سعداء، ولكن تلك وهذه ليستا بلا ثمن. في تلك اللحظة التي استلقت فيها رؤوسكم الصغيرة على ساعدي للمرة الأولى أقسمت في نفسي ألا أضعكم في علب في يوم أبداً، ودعوت من قلبي ألا تختاروا علب الأمن واليسر والرتابة في لحظة مطلقاً، وها هي خطتي تسير ودعواتي تتحقق، فاستمتعوا بالحياة واغفروا لي… لم أكن لأختار راحتكم فوق حريتكم أبداً، فكونوا هكذا دوماً… خارج العلبة.