عري

أتفكر كثيراً وأنا أستمع للصغيرات من الجيل اللاحق وهن يقررن «بنواقصهن»، وهن يؤكدن على انخفاض أهليتهن درجة، وهن يعتقدن أن أجسادهن حرام، عقولهن خطر، أصواتهن عورة، وهن يمتثلن لحسبة اثنتين منهن تساوي رجلا: شهاداتهن النصف، ميراثهن النصف، حظهن من الرجل ممكن أن يكون النصف أو حتى الربع، مأمورات بالطاعة، مهددات بالضرب، مؤمنات بأن صنفهن يملأ النار ويغذيها، أي جيل نسائي هذا الذي سيكون ويكبر؟
أتفكر كثيراً في المجتمع، بمجدافيه، مجداف العادات ومجداف الدين المؤسسي المسيس، وهو يبحر بالمرأة بكل قوة للصف الخلفي. أي قوة يمتلكها هذا المجتمع ليجعل إنسانا يشعر أنه أقل مما هو فعلاً، ليجعل إنسانا يؤمن أنه أنقص عقلاً، أضعف حظاً، أكثر ذنوبا، ليجعله يرى نفسه هشا، هوائيا، لا يمكن الثقة بقوله ولا الاعتماد على فعله، كيف للمجتمع أن يجعلنا نؤمن بعكس ما نشعر به في داخلنا، بعكس ما يقوله منطقنا، بتضاد مع لغة عقولنا وأجسادنا؟
تذهلني قدرة المجتمع على إقناع البشر بأنهم أقل، أنهم أضعف قيمة، حتى لتدفعهم لاستدعاء وصي على أنفسهم، قيم على أعمالهم ليحميهم من أهواء أنفسهم التي أجبروا على تخيلها. التاريخ البشري مليء بالأمثلة، أقنع البيض السود في فترة ما بنقص آدميتهم، أقنع الأغنياء الفقراء في أماكن وأزمنة ما بمرضيتهم وقذارة أجسادهم ونفوسهم، وأقنعت المجتمعات الأبوية القائمة على قراءات دينية ذكورية النساء بأنهن ضعيفات، عاطفيات حد البله، آثمات حد الخراب، بأنهن فرائس لشهواتهن التسوقية، لرغبات النميمة، لمتع تجميل الجسد، وكأنهن ضحايا أجسادهن وعقولهن، ضحايا تكوين لا يد لهن فيه ولكن لا بد من يد تحكمه وتسيطر عليه.
وفي حين تتكالب القراءات الدينية والعادات المجتمعية على تصغير المرأة عقلياً وإضعافها جسدياً، تُراكم عليها هذه القراءات والعادات الواجبات الجسدية والنفسية. فالمرأة المشحونة بالمشاعر التي، طبقاً للعرف المجتمعي والديني، هي غير قادرة على السيطرة عليها، يُطلب منها أن تتحمل بشكل يومي الجزء الأكبر والأخطر من تربية الأبناء، يطلب منها أن تسامح الرجل وتتحمل هفواته وتقبل بشريكات لها فيه، يطلب منها أن تكون مطيعة لينة اللسان، تقوم بأعمالها الشاقة طوال اليوم لتستقبل رجلها بزينتها الكاملة وبابتسامة الرضا والقبول في آخره، يطلب منها أن لا تقول لا أبداً، فهي للفراش، وإلا فعليها ستهبط لعنة الملائكة ليوم الدين.
أي تناقض هذا الذي خاطه المجتمع وألبسنا إياه بكل أريحية؟ كيف وضع الرقعة ونقيضها على ذات الثوب ثم أقنعنا بأنه ثوب العفة والورع وأننا بلا هذا الثوب عراة آثمين؟ كيف تكون المرأة عاطفية ويفرض عليها قبول الضرة؟ أن تكون ناقصة عقل ويوكل لها تربية الأبناء؟ أن تكون ناقصة دين ويُتوقع منها تحمل تبعات شهوات الرجل وأخطائه ونزواته؟ ألم يستح المجتمع وهو يخيط ثوب التناقض المشقق هذا وألم يخجل وهو يغطينا بعريه؟ وكيف ومتى قبلنا واقتنعنا؟