للسنة الثانية على التوالي، ألبي دعوة قائمة “الراية” للطلبة الكويتيين في المملكة المتحدة وأيرلندا للاحتفال معهم بالأعياد الوطنية السنوية. يقيم الطلبة مهرجانهم السنوي في جو من الألفة والسعادة اللتين تنشران الدفء في كل أنحاء مانشستر ودبلن صقيعيتي البرودة. هناك، يدفئ القلب حماس الشباب، يبهرك اطلاعهم السياسي، ويدوخك ارتفاع سقف حواراتهم، هناك تقتص نظرة لمستقبل الكويت، تشاهد قياداتها القادمة قيد العمل، تراقب الشباب والشابات وهم يعدون أنفسهم بأنفسهم للقادم من الأيام، لا يمكنك إلا أن تقف مبهوراً وأنت تشاهد هؤلاء الطلبة، اختلفت أصولهم وخلفياتهم، صورهم وألسنتهم، وجمعهم حب صادق للعمل ولبناء قائمتهم وللانطلاق بها، ومنها نحو مستقبل تكاد تراه منعكساً بوضوح في عيونهم.
منذ الصباح الباكر، تجدهم موزعين بين بوابات المطار المختلفة، يستقبلون ضيوفهم بترحيب حار، يوصلونهم إلى أماكن إقامتهم ثم يعيدون التوزيع، وكأنهم مبرمجون بكفاءة للخروج مع هؤلاء الضيوف والترفيه عنهم. يقضون يوماً من صباهم بصحبتنا، يشاركوننا طاولة مطعم، يدورون معنا بين الأسواق، يأخذوننا الى حيث أماكن الترفيه، ثم يتركوننا في منتصف اليوم وقد بدأت العيون تغرورق بحمرتها، والأجساد تنهك بتعب أيامها السابقة، ولا يتركوننا سوى ليبدؤوا العمل الحقيقي، يعدون القاعة، يتأكدون من جاهزية التكنولوجيا، ينتبهون للتفاصيل وتفاصيل التفاصيل، وحين عودتنا من يوم ترفيهي لنا في المدينة، يستقبلوننا على باب الفندق بذات الضحكة الرائقة، مبدين استعدادهم ليستكملوا الليلة بصحبة ضيوفهم حيث يختارون. تنظر إليهم فتجد إصرارهم وجديتهم موزعين بين مصادرها المختلفة: حبهم للكويت، إخلاصهم لإنجاح نشاطهم الطلابي، حماستهم الشابة، احترامهم ذو النفس الشرقي الدافئ لضيوف يحلون عليهم، كل ذلك أبقى ابتسامة رائقة نشطة على وجوههم لآخر يوم أودعونا فيه طياراتنا المختلفة، حيث تركناهم ونحن ندعو لهم الأقدار أن تعلو بهم لحيث يأملون ويحلمون، وأن تحن على أعدائهم الذين سيواجهون بأساً وصلابة وإصراراً ما وجد مثلها من قبل.
لربما كان من الحكمة لو أرسلت حكومتنا ونظامنا زواراً مخفيين إلى حيث هذه الأنشطة الطلابية ليطلعوا على الكيفية التي يفكر بها الشباب، ويستنتجوا منها طريقة للتعامل المتعاون معهم. لم تعد الدنيا هي الدنيا ولن يقبل الشباب اليوم ما كان يقبل في الأمس. لأيام ثلاثة كنا في حضرة رجال ونساء صغار، أبدوا من الفهم ما يفوق أعمارهم، ومن الحماسة ما يفوق طاقاتهم، ومن الإصرار ما يفوق أقدارهم. هذا جيل لا “ينخ”، لا يعرف كيف يقول سمعاً وطاعة سوى لما يقتنع به ويراه الحق. من المفيد جداً لأي جهة قيادية حاكمة أن تدرس نفوس الشباب، والذين يشكلون أغلبية سكانية في دولتنا ولربما في الشرق الأوسط كله، لتعرف كيف تتعامل معهم والأصح كيف تتعامل بهم، كيف تشملهم، ولربما تعليهم وآراءهم، وتقدمهم على من عداهم، وتمشي الطريق طبقاً لرؤاهم واستعانة بنظارات مستقبلهم. فالدنيا تمشي للأمام لا الخلف، واتباع طرق الأمس مع شباب اليوم سيجمدنا في أماكننا إلى أن يتحرر الشباب وينطلقون في مسيرتهم، وللتحرر ثمن لا نود لأحد أن يدفعه، نوده أن يأتي خالصاً مخلصاً متفقاً عليه لا عنوة وصداماً وحرباً ضروساً.
هذا زمن الشباب، زمن أفكارهم ورؤاهم، زمن سرعتهم الخارقة، زمن تحررهم وإيمانياتهم المختلفة، زمن تعاضدهم أولاداً وبنات في وجه من يريد أن يفرقهم، زمن أياديهم المتشابكة، لا يفرقها طائفة أو أًصل أو إثم أو حرام مدعى. اليوم، تشابك الأيادي هو وسيلة للبقاء، أدركها الشباب فانطلقوا غير عابئين بمن يجري لهم العادات والتقاليد والدين والطائفة والأصل والفصل حججاً لتفك تعاضدهم أو تفرقهم. الزمان إلى الأمام، وإذا أردت للحال أن ترجع “زي زمان، قول للزمان ارجع يا زمان”.
شكراً قائمة الراية، فرع بريطانيا وأيرلندا، فخورون بكم وبإنجازاتكم وشاكرين جميل استقبالكم وكفاءة استعدادكم، أحييتم فينا أملاً كاد أن- ولا قدر الله- ينطفئ.