«ضربني بوشه على إيدي»

ارتفعت أصوات عدة تحذر أمس من مطب اليوم، قلناها مراراً وتكراراً: الأزمة قنبلة موقوتة، ساعتها “تتكتك” منذرة بانفجارها في أي لحظة، تدلدلت الألسنة وجفت الحلوق ونحن نقول يا جماعة بدل الطريقة هناك مئة لنزع فتيل القنبلة وللبدأ على الطريق الصحيح باتجاه حل حقيقي عادل، يقتص للحق ويعليه، حل يعالج الجرح، لا يضع عليه ضمادة مؤقتة تزيد الألم ألماً فور ازالتها، ولكن لا حياة.

ارتفعت وتيرة العنف في مظاهرات تيماء، نعم، وهل كان المتوقع أن تقل مع الزمن؟ هل كان المفترض أن ينسى الكويتيون البدون المشكلة بحكم التقادم؟ قطع رزقك وحرمان أبنائك ومنع تنقلك واهانتك، كل ذلك المفروض يخف أثره مع الزمن وعفا الله عما سلف وعن المستقبل الذي تلف؟

في حلول؟ أي والله في حلول، وهي حلول لا تقف حد تصريحات مثل: “لا بدون في الكويت بعد 5 سنوات” (صالح الفضالة، جريدة النهار، الأربعاء 10 نوفمبر 2010) أو حد بطاقة ملونة، أو جواز مزور يتم الترويج له أسفل الطاولة. هناك حلول بسيطة ومباشرة ونازعة للفتيل قبل حتى أن تبدأ العلمية التنظيمية للتجنيس، والذي هو الحق الانساني الأكبر والأهم والذي لن يتحقق حل متكامل بدونه. لكن هناك اجراءات بسيطة ومباشرة ولا تتطلب عبقرية سياسية أو اجتماعية لتحقيقها، وكان لهذه الاجراءات أن تخفف الكثير من الضغوطات التي يعاني منها الكويتيون البدون. لم لا يُوظف المدرسون والممرضون البدون بالرغم من الحاجة الماسة لهم؟ لم لا تستخرج بطاقة مدنية صالحة للجميع يمكن للشخص البدون تسوية معاملاته بها وبالتالي يتم احصاؤه كفرد يعيش في الدولة بواسطتها؟ لم لا تستخرج شهادة ميلاد، شهادة زواج، شهادة وفاة؟ كيف للبدون المتوفى أن يؤذيكم اذا استخرجتم له شهادة تثبت أن واراه التراب؟ أحد يعقلها ويجيب. بلا كل ذلك، لم لا تسهل اجراءات البدون الذين يودون الهجرة؟ هل هناك منطق يستوعب هذا التصعيب سوى منطق العنصرية الذي يبتغي إذلال الآخر؟ لا يرحم ولا يخلي رحمة الله تنزل؟ مثال آخر؟ لا يختلف اثنان عندهم “لمحة” ضمير على حق الطفل في المجتمع الذي يعيش فيه، سواء حمل الجنسية أم لم يحملها. طيب، صدر قرار بعزل الطلبة البدون من المدارس الحكومية، أطفال صغار لا يد لهم في كل ما يحدث، طردوا من على المقعد الحكومي وأجبروا على التسجيل في مدارس أهلية متهالكة المستوى، لكن الأهل مع ذلك غير قادرين على المصاريف، ما في أوراق، ما في وظائف، دائرة تعذيب مغلقة. “قوم ايه؟” قومي يا حكومة وأنشئي صندوق تعليم خيريا يدفع لعدد 11 ألف طالب مصاريفهم أو جزء من مصاريفهم هذا غير أبناء العسكريين الذين تتكفل بهم وزارتا الداخلية والدفاع. وبحسبة بسيطة، بتقسيم الـ11 ألف طالب على عدد مدارسنا الحكومية 790 مدرسة، يكون الناتج 14 طالبا بدون لكل مدرسة حكومية تقريباً، يزيدون قليلاً لربما الى 20 طالبا في كل مدرسة اذا أضفنا أبناء العسكريين. في حال ما تم هذا التوزيع فانه أولاً يوفر تعليما مجانيا معقولا للطلبة البدون، ثانياً يخفف العبء المادي من على الحكومة بإغلاق الصندوق الخيري، ثالثاً يعيد دمجنا بعد أن فرقتنا قرارات… أفضل الا أصفها. حسبة بسيطة، حل مباشر لم يتطلب أي عبقرية اقتصادية أو اجتماعية، قرار عادل “يرعى النشء” تواؤماً مع النص الدستوري، يعني اجراء غاية في المنطقية والعدالة والبساطة، وكان يمكن لهذا الاجراء أن يخفف الكثير من الضغوطات والآلام والاهانات. لكن لا، يا سلام؟ وتمر الأمور بهكذا بساطة؟ أبداً، احنا نحرمهم من التعليم، وبعدين ننشئ لهم صندوق، وبعدين نخليهم يتقدمون له ونذلهم للحصول على مساعدته، وبعدين ندفع لأبنائهم من أموال الدولة للتعليم في مدارس لا يمكن لأحدنا أن يقبل أن يخطو ابن له أو ابنة خطوة في داخلها. وبعدين، لما يثورون نتذمر من الازعاج الذي يسببونه، ولما تشتد الوتيرة وترتفع نسبة العنف، نبكي ونصرخ: “ضربني بوشه على ايدي”.

الوقت غير الوقت، وزمن السكوت ولى، حلوها قبل أن تقع كارثة لن تعرفوا كيف توقفوها. لديكم الاقتراح بقانون في شأن الحقوق المدنية والاجتماعية لغير محددي الجنسية مقدم من خمسة نواب في مجلس الأمة، فانظروا فيه، ومعه تزامناً ابدؤوا بعملية التجنيس، بشكل عادل وفاعل وسريع، دون ممطالة أو محاججة، ابدؤوا قبل أن تفوتوا نقطة اللاعودة ويموت الحق والخير فينا جميعاً.