يجب أن يتوقف التبرير والتشريع الاجتماعيين لقتل النساء، فوراً. محتشمة كانت أم تعتقدها جريئة المنظر، طاهرة عفيفة كانت أم تعتقدها خرقاء لعوب، ملتزمة بالأطر الاجتماعية والدينية أم تعتقدها متنافرة تماماً معها، دم المرأة حرام عليك، أمنها فرض عين لا يسقط، حياتها مقدسة وجسدها لها وحدها تقرر هي مصيره كما تشاء.
سنوات ونحن نبرر، نتخفى، بل وحتى نتمسكن حتى يكون لنا لمحة من حياة الرجل المنطلقة المتحررة، ولا شيئ يتغير، على الأٌقل ليس بالسرعة والإلحاح المطلوبين. أحمال المجتمع كاملة على أكتافنا، شرف العائلات محفور أوشاماً على أجسادنا، الفضيلة والأخلاق يعرفان بجنسنا، فالمجتمع الفاضل يقاس بمدى احتشام نسائه على سبيل المثال حتى ولو كان رجاله أرعن خلق الله، إسم العائلة ثقل معلق على صدرونا، بل بلغ بنا أن أصبحنا “حبات شعر الشوارب” كما يقول “أصحاب الشوارب” المعلقة على وجوه رجالنا، شرفهم وكراماتهم وسمعاتهم معلقة بخطونا ومظهرنا واختياراتنا، بموعد عودتنا للمنازل، بضحكاتنا، بكلماتنا، باختياراتنا الحياتية الخاصة جداً التي لا تمس أحدا ولا تؤثر في حيوات غيرنا. أسماؤنا عورة، أصواتنا عورة، زواجنا ستراً وموتنا راحة، أي عقلية هذه التي تخلق مثل تلك الحياة المشوهة لبنات جنسنا؟
وكأن كل ذلك لا يكفي، تفنن المجتمع في قلب بنات جنسنا ضدنا، ولنا في رد فعل الكثير من النساء، ذوات الأجساد الأنثوية والعقول الذكورية، خير مثال، وهن يباركن جرائم الشرف وحفلات غسل العار التي تراق فيها دماء النساء. الدماء والنساء، نحن موعودات، حياتنا كلها معلقة بهذا السائل الأحمر، بدوراته، بإراقته، بانقطاعه، يراق لإثبات الفحولة، ويراق لتحقيق الأمومة، ويراق للدفاع عن الشرف، وعندما تتوقف أجسادنا عن نزفه، نصبح “يائسات”، تعدينا زمن الصلاحية، انتهت “جودتنا” وانتفى الغرض المستحق من وجودنا. علاقتنا بالدماء غريبة مريبة، وكأن بيولوجيتنا الأنثوية بأحمالها لم تكف تعذيباً، وكأن عزل هذه البيولوجية وتعريفها على أنها “غرائبية” وعلى أننا “الجنس الآخر” في عالم البشر لم يوفنا ما نستحق من تنكيل، أتى الرجل ببيولوجيته ليتعالى بصلاحيته الممتدة وبدمائه الحبيسة وبتحرره الهرموني غير مدرك الحقيقة العلمية والبيولوجية لهذه الصلاحية والدماء والهرمونات، وليتعالى بشواربه التي يسمي شعيراتها بأسماء نساء عائلته، هن العار المعلق بوجهه والشرف الذي يؤطره ويعرِّفه.
مقال غاضب، هو كذلك وأكثر. كل يوم قصة قتل تقع وتمر، كل يوم إمرأة، صغيرة أو كبيرة، تموت تحت سكين التخلف الإجتماعي وغباء التقييم البيولوجي ووقاحة التعالي الجسدي الذي لا يبرره عقل أو منطق أو خُلُق. كل يوم قصة من بقعة، أنثى جديدة تدفع ثمن جديد: لأنها صورت على انستغرام، لأنها كتبت على تويتر، لأنها عشقت، لأنها رفضت أن تتزوج، بل وليكن لأنها خانت، لأنها تعدت “الكود” الأخلاقي، بل ولنقل لأنها “فسقت”، أياً كان تبريركم، دماؤها، حتى “أفسق الفاسقات” حرام عليكم، عار على رجولتكم، لطخة على شرفكم الذي تدعون تطهيره بهدر هذه الدماء، أنتم يا من تستسهلون قتل النساء وأنتم يا من تبررون لهم “وتتفهمون” دوافعهم، أنتم جميعاً قتلة فسقة سواءاً طعنتم بالسكين أو أطلقتم الرصاص أو بررتم الفعلة القبيحة الساقطة الشنعاء.
إن كان غضب المقال غريباً، فالأغرب ألا يغضب الرجال أصحاب الشرف والكرامات. فبخلاف غرابة و”قذارة” فكرة أن الشرف يغسله الدم، كيف تستكين مجتمعات ذكورية بأكملها لفكرة وضع مصير شرف الإنسان وأخلاقه في يد غيره؟ يعني رجل شريف عفيف، له أخت “لعوب” بأي تعريف أو مفهوم، لِم يتحمل هو المسؤولية؟ لِم يتلطخ شرفه هو؟ متى وزرت وازرة وزر أخرى؟ لماذا “تخطئ” الأخريات، ويتحمل الرجال النتيجة وواجب غسل هذا الخطأ؟ أي جنون ولا عقلانية في هذه الفكرة؟ أي عبء مجنون يضعه الرجال على أكتافهم؟ أليسوا أولى بالغضب من هذه الفكرة منا نحن النساء؟
خلاصة الكلام، والحديث هنا “لأصحاب الشوارب” الذين يعتقدون أن شرفهم معلق دوماً بالأفعال الحسية، والذين لا يتصورون ذلك سوى لأمراض في نفوسهم ولشهوات تغمرهم ولنوايا فاسقة ماجنة تجوب في خواطرهم، أن شواربكم وسمعتكم وشرفكم أنتم والعائلة والمجتمع بأكمله كلها لا تساوي قطرة دم من إمرأة تريقونها بأياديكم النجسة وبدافع من أفكاركم المريضة. لابد أن يتوقف حمام الدم هذا يا نساء الشرق الأوسط، لابد أن تتوقف هذه الشراسة وهذا العته. اعتقدتن بأخلاقية إبنة جنسكن من عدمها، بالتزامها من عدمه، بسمعتها الطيبة من عدمها، روحها ليست ملكاً لأحد كي يزهقها. لا تستهن بروح إبنة جنسكن أياً كان حكمكن عليها حتى لا يستهين الزمن بأرواحكن وتدور الدوائر عليكن. علينا أن نعمل سوياً، بصوت واحد، بإرادة واحدة، بإصرار واحد، على وقف حمامات الدم الشرق أوسطية المجنونة هذه. إن أردتن أخلاقا وشرفا وطهرا وسمعة، كل هذه تتمركز هنا، في وقفتكن الأخلاقية لحماية بنات جنسكن والمحافظة على أرواحهن. أخلاقكن ليست موشومة على الأجساد، ليست موقوتة بموعد عودتكن للبيت، ليست محكومة بمن تحببن وبما تقلن، أخلاقكن حبيسة هذا الاختبار: اختبار حمايتنا لبعضنا البعض، لن ينقذنا سوانا، فهل ننجح؟