سنشيعي

على إثر قرار شركة سينما كويتية منع عرض فيلم «الجميلة والوحش» بسبب وجود شخصية مثلية، كتبت أنا تغريدة بما معناه أن المنع يشير الى «عقول مغموسة في رغباتها ولا ترى أبعد من أجسادها»، ثم تبادل على إثـــــرها معي المغرد عبدالله الحوار بادئاً إياه بالإشارة الى أن العلمـــانيين هم من يحلمون «بمجتمع إباحي متعرٍ شاذٍ جنسيا»، فهم من وجهة نظره يحاربون من أجل قضايا مثل «زواج المثليين، عدم وضع شروط وحدود في اللباس، محاربة منع تداول الخمور وبيعها، رفع الرقابة عن المقاطع المخالفة في الأفــــــلام» على حد تعبيره، وتلك كلها مفاهيم تدل على توجههم الإباحي على ما يبدو.
أشرت من جهتي الى أن تلك كلها مواضيع تدخل تحت المفهوم الليبرالي الاجتماعي وليس العلمانية السياسية التي تهدف للتشريع المدني دون تدخل من المشرع الديني. قادنا ذلك لحوار سيريالي طويل وظريف سألته خلاله عن معنى «الحقيقة» التي بقي يشير إليها والتي عرفها هو بالتالي «أن يرجع الناس الى ربهم وأن يتبعوا ما أمرهم به» ليتضح أن تلك الحقيقة في النهاية هي الإسلام.
وحين سألته أي إسلام هو، أكد لي المغرد أن هذا السؤال هو معضلة نحن نخلقها أمام قيام الدولة الإسلامية، ففي الواقع يمكن قيام الدولة الإسلامية السنية الشيعية لأن الاختلاف بين المذهبين «جزئي وليس كلياً».
وحين سألت المغرد عن تشريعات كالزكاة، تبين أن رأيه هو أن يدفعها السنة زكاة والشيعة خمساً وغير المسلمين ضريبةً، ولا أدري كيف تتحدد قيمتها وتكون عادلة ومن يتولى جمعها والى أين تذهب بالضبط.
وبالنسبة للصلاة؟ يعاقب على تركها المسلم ولا يعاقب على تركها غير المسلم، وإذا لم يرد أداءها، كان الرد أن هذا غير ممكن، فالمسلم لا «يريد» ترك الصلاة، ومن «يريد» ذلك فهو مرتد، ولا أدري في دولة الصديق الإسلامية ماذا سيحدث لهذا الذي «لا يريد». طيب والمشروبات الكحولية؟ هي جزء من الطقس المسيحي أحياناً، هل تمنعها الدولة الدينية؟ والحقيقة أنني لم أسمع رداً لربما تأخر الوقت أو تداخل المواضيع، المهم أن هناك قناعة بإمكانية بناء هذه الدولة، «السنشيعية»، أو «الشيسنية».
وقد أفقت صباح اليوم التالي وأنا «مزدهرة» النفس، على الأقل هناك من يرى بامكانية ربط المذهبين وتوفيق رأسيهما بالحلال، طبعاً بقية المذاهب والأديان من صوفية لبهائية لأزيدية لإسماعيلية لعلوية لدرزية لمسيحية ليهودية لكنفوشية لبوذية كلها يمكنها أن تجلس على قارعة الطريق في هذه الدولة المثالية، المهم التوفيق بين المذهبين وخلق دولة شرع الله.
بقيت جوانب بسيطة، غير ذات تأثير. مثلاً، من سيكون المشرع الرئيسي؟ أي أحكام بيع وشراء وأحوال شرعية سيتم تطبيقها؟ ماذا لو تزوج شيعي من سنية أو تشارك سني وشيعي في مشروع؟ أي تربية إسلامية سيتم تعليمها في المدارس؟ أي تاريخ إسلامي؟ متى سيؤذن المغرب؟ متى سينطلق مدفع الإفطار؟
أتفق مع الصديق أن هذه الدولة لن يختلف مشرعوها على الخطوط العريضة والتي ستتلخص في الحجب والمنع ورقابة الكتب والسينما والفنون بأنواعها، ستنفصل مدارسها وبعدها شوارعها، ستحجب نساءها وتنشر الشرطة الدينية في شوارعها، فهذا النمط بحذافيره شاهدناه في الدولة السنية وفي الدولة الشيعية القائميتن اليوم، لكن ماذا عن التفاصيل، الشيطان كما نعلم، هداه الله، يكمن فيها؟ ماذا عن التشريعات الدقيقة؟ ماذا عن تفاسير القرآن والأحاديث التي بالكاد يتفق عليها المذهبان والتي سيعتمد عليها التشريع أصلاً؟
هذا، ونحن لم نلتفت أصلاً بعد لمشاكل بقية المذاهب والأديان الأخرى، ماذا لو كانوا مواطنين «أصليين» في البلد مع التحفظ على وصف «أصليين»؟ وكأننا لا نرى أمثلة واضحة في العراق ولبنان واليمن والبحرين حتى نتحدث أنا وزميل التغريد في هذا الموضوع السمج في الهزيع الأخير من الليل، وحتى آتي أنا لأكتب هذا المقال المكرر الملل الذي لا ينتمي أصلاً للقرن الواحد والعشرين في باكورة النهار.
دولة سنية شيعية؟ دعنا نراهم يتفقون أولاً على يوم العيد أو موعد أذان المغرب حتى يبنوا دولة سوية، دعنا نراهم يحسنون الحديث تجاه أصحاب الأديان الأخرى حتى يستقبلوهم في دولتهم المثالية! أي دولة ونحن نفجر مساجد بعضنا البعض؟ صل على رسول الله أيها الصديق، ودعنا على جنوننا، ألا يأتينا من هو أجن منا.