كل عام والكويت بخير وأمان، كل عام والكويت تضمد الجراح وتعلو فوق الذكريات الأليمة، كل عام والنفوس تشفى والصفحات الجديدة تفتح والسياسات الدولية الحكيمة تقر، الزمن يمضي متقدماً بلا هوادة، والمشاعر تطويها الأيام، ولا يبقى للمستقبل والأجيال القادمة سوى حسن التخطيط والتدبير والتسييس الحالية.
لابد لكل أمة أن تستذكر جراحها، تاريخها، مصاعبها وأخطاءها، السؤال هو، لمَ تتذكرها؟ والجواب الصحيح هو لتتعلم منها ولتمضي تقدماً للأمام. الكويتيون يستذكرون آلام الغزو بالكثير من العواطف والكثير من الألم والكثير من الغضب، حتى ليبدو الأسبوع الأول من كل أغسطس فترة عصيبة لنكء الجراح وتقليب المواجع، وفي حين أن كل ذلك متوقع ومستحق، إلا أن تكراره، كما تقول صديقتي إيمان “وتذكّره سيكولوجياً دون أي مقاربة علاجية، ستؤدي كلها إلى تعميق الصدمة النفسية، وهذا الأسلوب يجعلنا أكثر عنصرية وانغلاقاً كأمة كاملة”. نتداول نحن الصور والفيديوهات والأحداث، نستذكر أسرانا وشهداءنا بما يثير آلاماً حارقة، ثم نترك كل هذه الآلام والمواجع هكذا في العراء، دون أي مقاربة علاجية أو مفاهيم تطبيبية نفسية، فنترك كل أغسطس إلى لاحقه ونحن أكثر غضباً وأكثر تألماً وبكل تأكيد أكثر تطرفاً تجاه جيران هم أمر واقع، وهم واقع مختلف تماماً اليوم.
ولربما من المفيد تذكر كذلك أن المصائب لا تقع بخلق من أشخاص فرادى وإن كانت بقيادتهم. صدام لم يتشكل منفرداً، لم يكبر بجهوده الذاتية فقط، لقد كانت هناك منظومة خليجية كاملة مساندة، تضخ المال والمساندة “لحامي البوابة الشرقية”، الذي ضخ في الخليج الرعب الكامل من الدولة الإيرانية ونصب نفسه الحارس الأمين لبوابة العرب من أذاها، وما أدى انجراف العرب خلف هذه القصة إلا إلى خلق وحش أعظم وأشد خطورة، والذي ما إن فرد طوله حتى استدار على أول من سانده ودعمه ليبتلعه. وها نحن اليوم نكرر الخطأ ذاته، نضخم من مخاوفنا تجاه الدولة الإيرانية فيما إسرائيل تكبر وتتوحش يوماً بعد يوم، ولا أرانا الله اليوم الذي يمكنها من فتح فيها الكريه لتبتلعنا لقمة سائغة. لقد ساهمت الدول العربية، ولربما الخليجية بالذات، في تمكين صدام حسين، فطاح في شعبه لثلاثين سنة قمعاً وقهراً وقتلاً ودفناً في مقابر جماعية، وها هي الدول العربية، ولو على استحياء تبدأ في تميكن إسرائيل اليوم من ودها وعلاقاتها، فماذا استفدنا من التذكر على مدار الثماني والعشرين سنة؟ كيف تعلمنا، كيف تغيرنا، كيف أوقفنا دائرة العذاب لنأخذ الخطوة الأولى للأمام، خطوة باتجاه الشفاء النفسي الجمعي لأمتنا، متلازمة وخطوة تعلم الطريقة المثلى لحماية أنفسنا؟ بعد كل ما عانينا في ثمان وعشرين سنة مضت، هل أصبحنا أفضل؟ أصحّ نفسياً؟ أقلّ عنصرية؟