حكومتنا تروم الإصلاح، نسمع هذا كل يوم، وزراء يصرحون، بيانات تنشر، أخبار تتصدر، ولكن ما إن ننظر خلف الصفحة الأولى حتى يطل الجمود والترهل والفساد ببشاعة، ووجوههم خلف كل الوعود والعهود.
لدينا مشكلة إنسانية متضخمة، مشكلة قسمت الرأي الكويتي داخلياً وشوهت الوجه الكويتي خارجياً، وأعيت كل من عمل فيها بسبب صلابة الظلم الذي يأكل أطرافها. المثل يقول “لكل مشكلة حل”، إلا مشكلة البدون في الكويت، ليس لها حل لأن صناع القرار لا يريدون لها حلاً، بل لا يريدون لها حتى التنفيس. هم يعتقدون أنهم إذا ما أبقوا الضغط مرتفعاً داخل بالون العزل العنصري الذي وضعوا فيه البدون، فسيعمد عندها “اللي خشوا جناسيهم” إلى إظهار هذه الأوراق فتنتصر الحكومة على جثث مستقبل هؤلاء دون أن تضع على الدولة حتى تكلفة إعطائهم بعض حقوقهم الأساسية. خطة تبدو جيدة، عنصرياً، ولكن بعد ثلاثين سنة من تجربتها وعدم فلاحها، ألا يبدو أن الوقت قد حان لتغييرها، أم سنبقى على ذات الخطة وذات الإشاعات وذات الترويج الحكومي وذات اللعب على أوتار “فلوس البلد والنسيج الكويتي الأصيل” وأعمار الناس تتناثر في هواء التعسف المرعب الذي نرى؟ يعني إلى متى؟ ألا تتجدد حتى الخطط الشريرة؟
بعض التغييرات منطقية وحتمية ومفيدة للطرفين، لا أدري ما الذي يجعل حكومتنا تعاقب نفسها فقط نكاية بفئة البدون؟ لنأخذ فقط مصائب هذه السنة الجديدة، القرار الأميري يقول بقبول 100 طالب وطالبة من المتفوقين في جامعة الكويت، إلا أنه تم قبول 94 من أصل 154، لم يكن لأحد منهم نصيب في كلية الطب مع الارتفاع الشاهق لمعدلاتهم، وقُبل فقط 6 في كليات الهندسة. الآلاف من الطلبة لم يقبلوا في المعاهد التطبيقية رغم قرارات قبول أبناء العسكريين وأبناء الكويتيات، إحدى الطالبات، بنسبة 94% قبلت في المعهد التجاري، لمَ؟ لأنها بدون، يعني تحط راسها براس الكويتي؟ الدراسة طبقات يا حبيبي، والكويت “إمية طبقة” على رأي الأستاذ سعد الفرج، فترضى بالمقسوم وتحمد ربها على القبول، هو الذي خلقها حرة متساوية مع الآخرين، إلا أن تعاليمه سبحانه مثل معدلها على ما يبدو، ليس لهم قيمة كبيرة “بين الطبقات”.
كل هؤلاء المتفوقين درسوا ليل نهار، لربما محرومون من الكثير، أفرغوا طاقاتهم في كتب قد تكفل لهم شيئاً من العيش الكريم، ترى ما سيكون مصير دواخلهم بعد هذا العزل البغيض؟ غضب؟ حقد؟ كراهية؟ تخريب؟ لمَ يا ترى لا تعي الحكومة القنبلة التي تؤقتها على رؤوسنا كل سنة؟
“طيب بلاش” الطلبة، لننظر في شأن الممرضين والمدرسين البدون الذين يعينون بنظام المكافأة وليس لهم نهاية خدمة، العديد من الممرضين تخرجوا ولم يتم قبولهم في وظائف لأن والدتهم ليست كويتية ولا يحملون إحصاء 65، وليس ثمة فرصة للعمل في القطاع الخاص الذي يطلب الخبرة، كل هذا على الرغم من حاجة البلد الماسة للممرضين الذين يتم جلبهم من الدول الآسيوية البعيدة تاركين من نشأ على هذه الأرض معجوناً بعاداتها ولغتها وروحها في عراء البطالة. حتى الممرضون الذين تم توظيفهم يتسلمون رواتب دنيا أقل من الوافدين والخليجيين والمواطنين، دون فرصة للحصول على أي بدلات تحصل عليها كل الفئات الأخرى المذكورة. أما المدرسون فيحرمون من رواتبهم الصيفية ويتعذبون ليوظفون وليس لهم أي امتيازات كبقية المدرسين من الفئات الأخرى.
طيب، عندما تأخذ أنت هذه القرارات، فتضغط الناس وتؤذيهم في لقمة عيشهم، وتسوّد عليهم مستقبلهم وأم الدنيا التي يعيشون فيها، ماذا تتوقع؟ خيرا؟ حلولا؟ أمانا؟
وأنا أختم مقالي هذا، اتصلت بي أم عبدالعزيز، زوجها بدون، وجوازها مزور ببركات النصائح الحكومية “لتعديل أوضاع” البدون. للتو قامت من ولادة شائكة، زوجها رحل يبحث عن هوية ضائعة محاولاً تأمين لمحة مستقبل للأبناء وتركها هنا تصارع الأيام وحدها، وصلت وأطفالها حد الجوع، لا تملك ثمن الحليب أو الغيار أو الشامبو لغسيل الصغيرة المولودة، والتي لا تتمتع بأي من الخدمات الحكومية باعتبار أن والدتها وافدة (بالتزوير). ليس للصغيرة أي ورقة ثبوتية، لا تمتلك حتى حقاً في حليب يشبعها أو غياراً يضم جسدها الصغير أو صابوناً يغسل عنها عفر الأيام. ترى من صنع هذه المأساة المتشابكة؟ غلطة هذه الصغيرة بلا شك، لها يد في ضياع جنسيتها، وعقوبتها تصلها لحد سريرها الصغير، وهكذا يتم الإصلاح.