على الرغم من أنها مجرد أنفاس الكلمات التي أطلقها
خالدة
هكذا تقول سافو، الشاعرة الإغريقية الرائعة، أحد أنشط أدباء زمانها. في أواخر القرن السابع أشرقت شمس هذه الأديبة العظيمة لتغطي على كل أدباء عصرها، حيث يعتقدها النقاد والمؤرخون الأدبيون أول امرأة تشتهر كأديبة تمتهن الكتابة والشعر. ذُكرت سافو في كتب أعظم الفلاسفة الإغريق مثل أفلاطون الذي امتدح أعمالها، كما أن العديد من الكتاب الرومانيين القدماء قد أشاروا لها مثل مؤلف كتاب «الميتامورفيسيس» أو «التحولات» العظيم أوفيد. كتبت سافو ما يزيد على الخمسمئة قصيدة لم يصلنا سوى فتاتها اليوم، ولذلك قصة حزينة لربما ترويها حياة معظم أديبات العالم من قديم الزمان وإلى اليوم. كانت سافو تكتب الشعر الغنائي، وكانت تقدس الغناء والرقص تقديسها لمعشوقتها الآلهة أفرودايت والتي كتبت فيها الكثير من قصائد الحب المتعبد. يعتقد أن سافو كانت أشبه بقائدة أو معلمة أدبية تتحلق حولها فتيات عصرها، اللواتي هن في مقام تلميذاتها، يؤلفن الأشعار ويرقصن على أجمل الألحان ويتغنين في الآلهة الأنثى، رمز قوة المرأة وسطوتها وجمالها.
فأين هي أعمال سافو الرائعة؟ في 1879، وفي موقع مقلب زبالة مصري قديم أثري، تم العثور على الكثير من أشعارها مدفونة بين المخلفات، لاحقاً، في سنوات 1890، تم العثور على المزيد من هذه الأشعار مكتوبة على ورق بردي مستخدم للف وتحنيط المومياءات ولحشو التماسيح الميتة. لم وصلت أعمال هذه الشاعرة الرائعة إلى حضيض المخلفات ونفايات التحنيط؟ لأنها ببساطة امرأة اقتحمت عالم الرجال الأدبي في عصر كان قد خلف وراءه عصورا ذهبية سادت فيها الإناث الأرض حتى وصلت لمراتب الآلة، دخولاً في عصور مظلمة استبد فيها الرجال وتحكم خلالها آلهة ذكور اعتمدوا الصفات الأبوية الشوفينية للإله الأب المطلق الحكم، شديد العقاب. ظهرت سافو في عصر أفل فيه نجم المرأة، وأصبحت تابعاً محكوماً بالمساحة المنزلية وبالأدوار الأمومية، غير مسموح لها بالمشاركة في الحياة العامة التي كانت حكراً على، ويا للغرابة، الرجال والمومسات.
وعليه، تلطخت سمعة سافو بسبب روائع أدبها، حيث ظهرت في أواخر العصر الإغريقي القديم ما لا يقل عن ستة مسرحيات تسخر منها، والتي أصبحت فيما بعد، على الرغم من كذب المعلومات فيها، مصدراً رئيسياً للكثير من القصص الأسطورية عن سافو والتي تسببت في كراهية الناس اللاحقة لها ولأعمالها. فمن تلك القصص الخرافية الكاذبة أن سافو كانت قصيرة القامة داكنة البشرة قبيحة الوجه، وأنها كانت مومسا قامت بالانتحار بعد أن رفضها الرجل الذي تحب. تسببت هذه الإشاعات في نشر كراهية واحتقار لسافو العظيمة حتى أن أسقف القسطنطينية خلال العصور الوسطى أمر بحرق كل نسخ كتبها وأعمالها. ومنذ ذلك الحين اختفت سافو، ردمت تحت أكوام شائعات بشعة، حتى وجدتها صدفة التنقيب الرائعة على أرض الكنانة في أواخر القرن التاسع عشر.
فقط امرأة يمكن لها أن تدان بما لا يدين، بقصر القامة وقبح الوجه ودكانة الجلد وكأنها إثم عظيم، فقط امرأة يمكن تلطيخ سمعتها في ثوان معدودة حين يطلق اسمها مصحوباً (حقاً أو باطلاً) بوصف مومس، فقط امرأة تسقط من الحظوة المجتمعية لأنها انتحرت من أجل من تحب، فقط امرأة، يكفي أنها امرأة ليذيقها المجتمع ألوان الاحتقار وصنوف العقاب ان هي فكرت في أن تخرج خارج حيز بيت الرجل إلى الدنيا الفسيحة.
تغير الوضع كثيراً بالنسبة لنساء الحاضر، ولكن ترى كم سافو أخرى فُقدت لم نسمع بها أبداً؟ كم أشعار دفنت وروايات حرقت وأدبيات بترت لـ «سافوات» هذه الدنيا الأبوية الشوفينية؟ وكم من سافو جديدة ستُقمع مجدداً في الأجزاء المظلمة من عالم اليوم؟ كم من سافو سينساها الزمن على حافة حوض الغسيل وعلى قمة عصاة المكنسة؟ كم من سافو سيُنتقد شكلها وينسى عملها، ستُلوث سمعتها ويهمل عقلها، سيؤاخذها مجتمعها بمركز المومس الذي غالباً ما يضعها هو فيه؟ هل حدث أن أي «سافو» سُئلت بأي ذنب قتلت؟
تحتاج المرأة لشهر عالمي وليس ليوم واحد، لا زلت أحتفل بحزن، وكل عام والمرأة بخير.
مصدر المعلومات عن سافو من كتاب
Literature World Masterpieces لكوبر.