تحميل إغلاق

نساء مصريات يتظاهرن ضد التحرش

ساحرة

عطفا على مقال الأسبوع الماضي، وحتى لا تترك الأمور قولا عاما بلا ملامح، لا بد من الإشارة إلى أن مفاهيم الشرف التقاليدية المحبوكة بالقراءات الدينية، كما ذكرت في المقال السابق، هي الخلطة المتفجرة، التي أدت وتؤدي كل يوم لسفك دماء نساء الشرق الأوسط المسكين.

العادات والتقاليد التي تضع سمعة أسرة كاملة على قطعة خرقة مبللة بالدم، والقراءات الدينية التي ترهن الفتاة إلى سلطة أبيها والمرأة إلى سلطة زوجها وكل أنثى إلى سلطة ذكر ما في عائلتها. هذه العادات والتقاليد والقراءات الدينية هي الطلقات التي تخترق أجساد النساء، السكاكين التي تنغرس في أجنابهن، الحبال التي تلتف حول أعناقهن لترديهن قتيلات باسم المحافظة على الشرف والالتزام بالدين.

من قال إن محارق القرن السابع عشر للنساء قد توقفت؟ حين كانت كل امرأة مختلفة، مخالفة بصورة أو بأخرى لعادات المجتمع وقيمه المتخلفة، تتهم بأنها ساحرة، فتوضع الأحجار في جيوب جلبابها وتكبل يديها وترمى في النهر أو البحر، فإن طفت فهي ساحرة تستحق القتل وإذا غرقت فهي بريئة تطهرت سمعتها، في الحالتين هي ميتة.

إذن، يبقى السؤالان الحارقان: لماذا ينحصر شرف العائلة العربية في إناثها دونا عن ذكورها؟ ولماذا ينحصر شرف الذكر في الجنس (الذي في حياة نسائه) دون الأخلاق (في حياته)؟ الرجل الذي يسرق أو يكذب لا يُمس شرفه، بل الرجل الذي يعربد تبقى سمعته محفوظة، هذا إذا لم تعلُ قيمته في الشارع الذكوري الشوفيني كفحل أصيل.

في السؤال الأول هي العادات والتقاليد والقراءات الدينية المذكورة أعلاه، تلك التي حصرت الشرف في النساء دون الرجال، فالمرأة البكر مثلا لها عاداتيا ودينيا من الحقوق وعليها من القيود ما يختلف عن تلك التي “للثيب” وعليها، وكأن الجنس كعملية بيولوجية تغير من قيمة الإنسان ووزنه الاجتماعي.

في الكثير من قوانين الأحوال الشخصية (مثال أخير هو قانون الأحوال الجعفري الذي صدر في الكويت مؤخرا) تُفَصل حقوق المرأة على أساس من “دخول الرجل” عليها من عدمه، متدخلة (هذه القوانين) في عمق العلاقة الخاصة بينهما وتنص على حقوق وواجبات على أساسها.

إن هذا التقييم المجتمعي والتشريع الديني يجعل من موضوع الجنس معضلة أنثوية بامتياز، فهي تربح وتخسر، تصبح أكثر أهلية أو أقل، تضمن حقوق أو تخسرها على أساس ممارسة الفعل من عدمه. كل هذه المنحنيات التي تحدد الكثير من جوانب الحياة تحصر تأثير العملية الجنسية في حياة المرأة دون الرجل وبالتالي تحملها عبء الشرف والسمعة دونه.

طبعا، للمسألة عمق بشري أكثر بدائية، فالمرأة تتحمل عبء الشرف لأن جسد المرأة يشكل دليل عليها، ونحن شعوب نقدس الظاهر، نخشى كلام الناس أكثر من خشيتنا تقييم الرب، فندفع برغباتنا إلى الظلام لنمارسها فيه، فقيمة “الستر” هي الأهم والأقوى، ولطالما كان “الإثم” مستورا، فالسمعة بخير والشرف محفوظ في “سوليفانته”.

جسد المرأة دليل، يفقد قطعة جلد ـ أسطوريتها أكبر من حقيقيتها ـ، يُكَون طفلا في أحشائها، وعليه ولأن جسدها يأتي بحياتها إلى النور ويعلن عن أفعالها، فهو، ووحده هو، محمل بعبء الشرف. أما الرجل الذي لا يدينه جسده، فله أن ينطلق في أعماق الخطايا، هو شريف طالما أن جسده يستره فلا ينبئ أحدا عن أفعاله.

من هذه النقطة تتأتى إجابة السؤال الثاني، شرف الرجل مرتبط بحفظ أجساد نسائه من تحقق أي أدلة عليها، أما فساده هو، الأخلاقي، الحياتي، والاجتماعي، فلا ضير منهم طالما أنهم لا يتركون أثرا.

المثير في الموضوع، أن حتى آثار هذه الفسادات، طالما هي ليست جسدية، تضيف لسمعة وفحولة الرجل. فزير النساء جذاب، حتى للنساء ذواتهن، وهذه برمجة اجتماعية لها قصص أخرى تحتاج لمقالات عدة أخرى، ترتفع أسهمه في المجتمع وتقوى ذكوريته بين أقرانه. أن يسرق أو يكذب أو يخدع أو يكون عنصريا أو حتى مجرما، كل ذلك لا يمس شرفه، قد يمس سمعته الاجتماعية بعض الشيء، إلا أن شرفه محفوظ طالما أن أجساد نسائه محفوظة. المثير فعليا هو أن حتى هذه الممارسات غير المادية، أي التي لا أثر لها على الجسد، سرقة، كذب أو جريمة من نوع، هي مؤثرة كذلك إلى حد ما في شرف النساء، فالمخادعة يمكن لها أن تخدع حول أي شيء مما له أن يهز صورة شرفها، أما المخادع فهو ذكي بل ولربما جذاب، يضيف له خداعه طالما أن أجساد نسائه محفوظة مستورة.

إذا كانت العادات والتقاليد تقول بأن “شرف المرأة زي عود الكبريت” وإذا كانت القراءات الدينية تربط التشريع الدنيوي ثم الإثابة والعقاب الآخرويين بالجنس (إثابة الرجل جنسية في الجنة وعقوبة المرأة ذات صور جنسية كذلك في النار)، فبكل تأكيد تصبح كل قيمنا مرتبطة بهذا الفعل الجسدي، وكل تقيم لأخلاقنا مبني عليه.

إنها فكرة ذكورية بامتياز أتت من عمق الزمان السحيق، بعد أن تحولت البشرية من عبادة المرأة إلى قهرها وتعذيبها والتحكم في “إنتاجها” البشري الذي هو أقيم ما تملك البشرية. كم نقدس من عادات وتقاليد وأخلاق ومفاهيم هي مبنية على بدائيات تفتقر لأبسط قواعد المنطق وتتضارب وأبسط مفاهيم العلم الحديث، وفي خضم كل ذلك، وحدها النساء حول العالم تدفع الثمن.