كان يجب أن نصاب بالفزع مبكراً، منذ زمن بعيد، فالفزع الآني على حس المطالبات بتعديل المادة الثانية من الدستور كوميدي، فزع بأثر رجعي، مثلنا كمثل من حرق إصبعه وصرخ يتأوه بعدها بشهر.
ما الذي يخيف في تعديل المادة الثانية من الدستور؟ فبنصها كما هو الآن هي تبيح بل تشجع على التشريع الديني ما أمكن، فقطع اليد والرجم لم تمنعهما المادة الثانية بنصها الحالي، كل ما هنالك أنه لم يسبق أن كان لدى الإسلاميين أغلبية، كما لديهم اليوم، لتحقيق التغيير المطلوب.
ليس ما يستحق الفزع هو المطالبات الحثيثة بتغيير نص المادة الثانية، فتلك يصرخ بها الإسلاميون منذ دهر، بل ما يستحق الفزع هو الأغلبية المتطرفة على كراسي قاعة عبدالله السالم، وتلك أوصلتها أصواتنا. لماذا يئن الشارع الآن؟ واذا كان الجميع غير راض، فمن أوصل الواصلون؟
ما الذي يخيف في تعديل المادة الثانية من الدستور؟ هم آخذون في “تعديل” عقول أبنائنا منذ عقود طويلة. أبناؤنا يتعلمون خطاباً غاية في التطرف، بل أقول غارقاً في الحسية الجنسية، في مناهج التربية الإسلامية واللغة العربية. أبناؤنا يستمعون لخطاب إعلامي خطير، خطاب ترهيبي ترغيبي يغسل الدماغ، خطاب يعتمد اللذات الجسدية لكسب اهتمام الشباب الفائر، خطاب يحث على العنف والكره، خطاب يصدر الخرافات والأساطير والأوهام، خطاب يغيب العقل بتعامله مع الهامشي والجسدي والتفصيلي الذي من شأنه أن يغيب المنطق كما يغيب الهيرويين الوعي، وبعد كل ذلك، نحن مرعوبون من تعديل المادة الثانية من الدستور؟
أنا أعتقد أن المطالبات بتعديل المادة الثانية من الدستور هي أرقى وأعقل مطالب الحركات الإسلامية في الكويت منذ نشأتها ولحد الآن، على الأقل هو مطلب ممنهج، على الأقل هو يتعامل بمؤسسية، فهل تركنا نحن الخراب الماضي كله، التغييب الساحق، الفتاوى المريضة، المناهج السرطانية، الإعلام الفاحش التطرف، ومسكنا في الممارسة الدستورية الوحيدة؟ سلمناهم الشارع وعقول الأبناء والإعلام والمدارس، قدّسنا حديثهم، جاملنا رجعيتهم، وعندما قالوا نعدّل، بمنهجية دستورية، مادة في الدستور، طارت الألباب ونهضت الهمم بالفزع؟ أين كنا كل هذه المدة؟
فزعتنا متأخرة، ساذجة، وغير مستحقة. وهنا، لابد من وقفة حقيقية مع النفس، خصوصاً من التيار الليبرالي في الشارع الكويتي، إن وجد. الحق أننا نبكي شارعاً نحن من تخلى عنه. مواضيعنا مخملية لا تحتك بالناس، عددنا في تناقص وخلافاتنا في تزايد، متراصين منعزلين في هذه الجمعية وذلك التجمع، نخاطب أنفسنا وندور في حلقة نرجسية مفرغة، فتركنا العقول والقلوب لمن عرف كيف يصنع مفاتيحها، لمن لامس أوجاعها ثم استغلها، لمن عندما لم يقو على حل الألم باع الحلم، باع الأبدية، ووعد بأنهار خمر وحور عين، فما هو وعدنا؟ ما هو دواؤنا للشارع الموجوع؟
“زعلانين” على المادة الثانية من الدستور؟ دعوهم يغيروها، فقد تغير ما هو أثمن وأخطر وأهم. دعوهم أو ارفضوا رفضة شجاعة حقيقية عملية، انزلوا الشارع، خاطبوا الناس، خففوا الآلام، اكشفوا الرسالة الحقيقية، دون وجل، دون خوف، قولوا للناس إنهم مغيبون، استنهضوا الحريات إلى أقصاها، اعتمدوا خطاباً حقيقياً جريئاً تنويرياً لا يرضى بغير الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة منهجية، خطاباً يلامس آلام الشارع ولا يترفع عليها، خطاباً ينور الشارع لا يجامله ويجاريه في الفكر المتطرف. أسسوا تحالفاً قوياً ليبرالياً حقيقياً، يطالب بتغيير المناهج، تعزيز الحريات، تخفيف آلام الشارع والتعامل مع مشاكله الحقيقية المادية والمعنوية كافة، خطاباً يرفض أي نوع من أنواع الأفضلية الدينية بوضوح وصراحة وجرأة، عندها قد يتحقق شيء، قد يتغير شيء.
دون ذلك، دعوهم يغيروا، لن تخسروا أكثر مما خسرتم، دعوهم ودعونا ننم
“…على زُبَدِ الوعـود
يُدَافُ في عَسَل ِالكلامِ”*.
* البيت الأخير للشاعر العظيم محمد مهدي الجواهري