عدد من الرسائل أرسلها الشعب الكويتي بإنتاجه مجلس 2012، وهي رسائل لا تكفينا قراءتها، ولكن نحتاج إلى معرفة سبب إرسالها من الأساس، الحبر الذي كتبت به والورق الذي كتبت عليه. كل برلمان في الواقع هو مؤقت، في يوم ما سيزول، سواء بانتهاء مدته أو بأدوات دستورية أخرى، وسيتمكن الشعب ساعتها من الإتيان ببرلمان جديد. ما سيبقى، وقد ينمو ويكبر ويستشري، هي دوافع الشعب وغاياته خلف صياغته لمجلس ممثليه.
صرختها أنا وزملاء وزميلات في مقالات عدة، ناقشت بها أصدقاء، عتبت بسببها على أحبة لهم في القلب أمكنة متفردة، بل “داحرت” بها أهلاً وأقرباء قد أكون خسرتهم إلى الأبد، وها هي اليوم تطل برأسها الأشعث، “تلعب” لنا لسانها من خلف الستار منذرة بأيام لعوب ليست من ثوبنا ولا نحن من ثوبها. ها هي العنصرية القبيحة، برأسيها الطائفية والقبلية، تتحزم وتهز وسطها بمجون، وبدلاً من أن يصرخ بها الشعب ويحاول سترها، يكشفها ويعريها دون خجل.
“انكشفنا واللي كان كان”، سقطت الشعارات وانفضحت الولاءات، وظهر كل المستور. لم يعد مجدياً أن نلقي باللوم على الحكومة أو أقطاب الأسرة، لم يعد يفي بالغرض أن نتهمهم بتقسيم الشعب وبث الطائفية والقبلية فيه، إن كانت تلك لعبتهم، فنحن حطبها، حطب بإرادة حرة. وإلا، كيف يسقط مرشح مثل د. حسن جوهر، بكل تاريخه الناصع ومواقفه المشرفة، بسبب غياب الأصوات الشيعية؟ كيف تحجب الأصوات “الليبرالية”، مع التحفظ على التسمية، عن المرشح محمد بوشهري في ذات الدائرة التي تمنح فيها لصالح الملا؟ كيف اكتسح قطبا الصراع القبلي بذات القوة، فنجحت مجموعة بسبب انتماءاتها القبلية، ونجحت أخرى بسبب عداءاتها القبلية بذات القوة والتصدر؟ أين “الوسط”؟ أي مجلس هذا وهو يجمع التضاد المتوحش كله في قلبه، وأنا هنا لا أتكلم عن الاختلاف، فالاختلاف حياة وصحة، ولكنني أتحدث عن بغض لا علاقة له بسياسة أو فكر، أتحدث عن صراع قوامه قبيلتك وأسرتي، شيعيتك وسنّيتي، بحرك وصحرائي، صراع لا قواعد له ولا أصول، صراع الدم فيه مباح والعرض مستباح والقانون فيه مفقود والحقد مولود.
وها هي النكت تنطلق لتتنبأ بالصراع القادم بين حناجر ليس لها مخابر، ولكن ليس هذا الصراع السياسي بين المعارضة والموالاة، ومهما اشتدت قماءته، هو ما يدعو للقلق، فتلك مواقف تتغير وتتقلب بتقلب السياسة الخداعة. إن ما يدعو إلى القلق الشديد هو العنصرية القبلية الحضرية، مع التحفظ على المصطلحات، التي أسبغ عليها البعض تقسيم المعارضة والموالاة، وهي في واقعها غارقة في عرقية لا تفقه في التوجهات السياسية شيئاً، وما يدعو إلى الخوف الساحق هو في الواقع الصراع الطائفي الشيعي السنّي الذي- للمرة الأولى- كشف نفسه بهذه الفجاجة والعمق، والذي سيكون مدمراً إذا ما انطلقت شرارته “الرسمية” من المجلس نزولاً إلى الشارع.
لقد اختفى، أو يكاد، التيار المعتدل في هذا المجلس، كل الموجود هو نهايات التوجهات، الأطراف الأخيرة المشتعلة منها. الموجود “حضر” مترفع يعتقد نفسه سيد البلد، و”بدو” حانق يجد في نفسه أغلبية مقموعة، مع التحفظ مرة أخرى على اللفظين، موجود سنّة ليس لهم سيرة غير إيران وشيعتها “المتسربة” في الخليج، وشيعة ما زالوا يؤدون دور الضحية المضطرة إلى ما لا تريد. كلها أطراف مشتعلة ستحرق نفسها وتحرقنا وديمقراطيتنا معها، والأسوأ والأمرّ أنها أطراف تعكس تطرفنا كشعب، أقسام تفضح انقسامنا، فمن ينقذنا من أنفسنا؟
اختفى الاعتدال، واختفت المرأة، مجتمع متطرف ليس للمرأة فيه دور، أتلاحظون الى أين نتجه؟
يبدأ العلاج بالاعتراف بالمرض، وإلى أن نعترف، فليسترها الخالق معنا.