نعرف جميعاً أن شراء الأصوات يتم في كل موسم انتخابي، ونعلم جميعاً أسماء محددة تشتري، يرفعون صورهم بابتساماتهم الماسخة على بوسترات مغروسة في شوارعنا، يظهرون متحدثين عن الشرف والأمانة وحماية المال العام في البرامج التلفزيونية، حالة مرضية من انعدام الحياء، دع عنك المبادئ والأخلاق، يخرجون علينا بموجبها ونحن نعرف أنهم يشترون.
لا أدري لماذا، كلما قرأت خبراً عن شراء أصوات، تذكرت حادثة الغش وتسريب الامتحانات التي انفجرت بداية الصيف، لربما يربط بينهما عمق الخلل ومؤقتية الحلول. كلنا نعرف أن “تفويت” الطلبة أصبح أكثر من حالة عارضة، لم يعد هو الاستثناء بل أصبح هو الأصل في الكثير من المؤسسات التعليمية الحكومية في الكويت. نسمع جميعاً قصصاً مرعبة عما يدور في معاهد الكويت التعليمية، التسيب والترهل، انعدام الأمانة الوظيفية عند الكثير من المدرسين والمحاضرين بمختلف درجاتهم العلمية.
يحكي لي أحد المحاضرين عن الكيفية التي “يفوت” بها طلبته والتي إن لم ينتهجها، فإنه لن يستمر في هذا المعهد التعليمي كورساً كاملاً على بعضه؛ لذا، ليست حالة تسريب الامتحانات والتسيب في مراقبة الطلبة الممتحنين حالة عارضة تتطلب موقفاً صارماً وعقوبات مشددة، إنها حالة متراكمة متجذرة، تحولت إلى منهجية مستتبة من لا يتبعها هو في الواقع يخرج عن السرب ويغرد وحيداً دون وليف.
كذا تتجلى ظاهرة شراء الأصوات، التي لم تعد ظاهرة في الواقع، وإن استفحلت مع نظام الصوت الواحد. نعرف جميعاً أن الشراء يتم في كل موسم انتخابي، ونعلم جميعاً أسماء محددة تشتري، يرفعون صورهم بابتساماتهم الماسخة على بوسترات مغروسة في شوارعنا، يظهرون متحدثين عن الشرف والأمانة وحماية المال العام في البرامج التلفزيونية، حالة مرضية من انعدام الحياء، دع عنك المبادئ والأخلاق، يخرجون علينا بموجبها ونحن نعرف أنهم يشترون، وهم يعرفون أننا نعرف، ونحن نعرف أنهم يعرفون أننا نعرف، ولكننا ندور في نظام ترك عليلاً منذ أن بدأ حتى أصبحت العلة هي الأساس و”الصحة” هي الاستثناء الذي ينظر لصاحبها بالقليل من الإعجاب والكثير من الاستغراب.
فما الحل؟ المشكلة، وفعلاً هي مشكلة، أن الحل، في رأيي، يبدأ عند الحكومة ومنها. قيادة البلد هي التي تحتاج أن تتفهم أولاً أن حجم الضرر الناتج عن هذه الممارسات يفوق بمراحل المنافع المؤقتة المتأتية منها والمتمثلة بطلبة، ومن ثم مواطنين ولاحقاً نواب مجلس أمة تابعين، ضمائرهم مسعرة وقراراتهم تباع وتشترى. نعم، هؤلاء ينفعون بشكل مؤقت ليلعبوا اللعبة الملتوية حسب الشروط والمتطلبات، ولكن أذاهم وعلى الحكومة تحديداً سيكون صارخاً وثمن استخدامهم سيكون هائلاً في وقت لاحق.
وعليه، فإن قيادة البلد تحتاج أن تسعى ثانياً إلى تغيير هذه المنهجية من أعماقها، وهذا التغيير يتحقق عندما تتوقف الحكومة عن استخدام وتسيير وتسهيل وتشجيع هذه المنهجية، ليس ذلك بإلقاء القبض على أوكار بيع الأصوات أو فصل المدرسين المرتشين فقط، ولكن بأن تتوقف هي أصلاً عن اعتماد أسلوب “دهن السير” واستقبال “الواسطات” وتمرير من لا يستحق حتى ينتفي أثر الممارسة من جذره. أن تتشدد مع المواطنين وقيادتهم “سايبة”، لن تنجح سوى في خلق وضع متنافر كوميدي، كلنا نعرفه، وكلنا ندور في طاحونته، ومن منا يحاول أن يختلف، يعزل ويتضرر ولا تتحقق له أي مصلحة في “سيستم” يعتمد العلاقات والوساطات والطرق الملتوية. الحل إذن هو بحد ذاته مشكلة، لأنه يبدأ من حكومة لا تريده، تقوله ولا تفعله، تخيطه ولا تلبسه.
تريدون للشعب أن يصبح مستقيماً؟ استقيموا أنتم أولاً ونظفوا أروقتكم، ترى الروائح تصل للشارع الذي يسكر بها ومع الوقت، يدمنها.