يجب ألا نستهين أبداً بخطاب الكراهية مهما صغر، يجب ألا نتهاون مطلقاً في تقدير مضاره الفادحة، فالتعبئة الجارية عندنا في الكويت ضد المقيمين أو البدون ليست بأقل خطراً مثلاً من التعبئة “الترامبية” ضد المسلمين أو من خطاب الكراهية الذي بدأ يزحف ظهوراً وعلى حذر من بعض البرلمانات الغربية. لربما لن تنتهي قصتنا الى دماء، نتمنى ذلك من كل قلوبنا، إلا أن بوادر قبحها قد بدأت بالظهور، كلنا نستشعرها من خلال أحداث حيواتنا اليومية، بل من خلال مشاعرنا التي تدور في صدورنا تجاه غير الكويتيين المشاركين لنا في الأرض والحياة. حين كتبت أنا قبل أيام في “تويتر” أستفسر عن حملات تسريح الوافدين، كما تسمى، وما إذا كانت تتم على أساس معايير معينة تضمن الحقوق، وما إذا كانت هناك تعويضات وافية لمن خدموا البلاد لإخراجهم من وظائفهم بكراماتهم مصونة عوضاً عن مفاجأتهم بالقرارات ورميهم خارج وظائفهم دون تمهيد، كانت ردة الفعل تجاه ما كتبت قاسية كارهة. لم تخاطب أو لربما لم تستوعب معظم الردود النقطة الأساسية في التغريدة، فالكراهية تعمي والعنصرية تصم. أنا لم أعترض، في الواقع، على التسريحات رغم إشكاليتها العميقة، فأنا، كما الجميع في هذا التوقيت وفي هذه الظروف، أتفهم منطقية الإحلال الوظيفي للمواطن، إلا أن المطلوب من أي شعب مدني عادل إنساني يقوم بحملة مثل هذه لتعديل تركيبة سكانية، أو لموازنة أعداد العاملين في الدولة، أو لتفعيل أي تغيير جذري مدني آخر لأسباب ديموغرافية، سياسية أو اجتماعية، أن يضمن أن تتم العملية بدرجة عالية من الشفافية والعدل، دون إضرار بالآخرين أو مساس بكراماتهم أو هضم لحقوقهم أو تخريب لحيواتهم.
لم تأت ردة الفعل التويترية لتعامل الجزئية المذكورة أعلاه، إنما أتت لتحاسبني على “وقوفي ضد توظيف الكويتيين”، وهو ما لم أقله مطلقاً، ولم تعبر عنه تغريدتي لا من قريب ولا من بعيد. إلا أن الناس تقرأ بعين الخوف وتفهم بمنطق العزل، الناس تقرأ ما تقرره عن أفكارك وما تستنتجه حول نواياك، لا ما تقوله كلماتك وما يعبر عنه منطقك، الناس تقرأ بقلقها على مستقبلها ومصالحها لا بمفهوم العدالة الإنسانية، والأهم الناس يقرؤون توافقاً مع من يهيج مشاعرهم ويثير فيهم العنصريات الدفينة التي دوماً ما يخفيها الحياء وتسكنها مسألة حفظ دماء الوجه، حيث إنه ما إن ترتفع أصوات عنصرية قوية من مراكز صنع القرار، حتى يختفي هذا الحياء وتذوب دماء الوجه تلك، ويشعر الجميع باستحقاق إعلانهم لكراهياتهم تماماً كما يعلنها قادة مجتمعاتهم. هكذا تنتشر الكراهية، وهكذا يصبح التصريح بها قوة وبطولة ومصدر فخر، وشيئا فشيئا تتحول هذه الكراهية إلى كلمات مؤذية، لتأخذ بعدها شكلا تعبيريا بدنيا، نفوراً من الآخر وتفادياً له، لتصل في مراحلها الأخيرة الى العنف وإسالة الدماء.
التاريخ البشري يحكي هذه القصة مراراً وتكراراً، ونحن نعيدها بحذافيرها مراراً وتكراراً. هو الخطر المحدق لخطاب الكراهية مهما صغر، نحتاج قروناً من الزمان لمحو آثاره، ونحتاج شهوراً قليلة، إن لم تكن أسابيع أقل منها، لإحياء أنفاسه البغيضة من جديد. لنوقف خطاب الكراهية اليوم، ولنعلم جميعاً أن نيوزيلندا بعيدة جغرافياً، لكنها قريباً جداً إنسانياً.