دجاج

هل نحن شعب متعصب لا يتفهم المعنى الحقيقي للحرية وعليه تجدنا نفرز نواباً من أمثال هذا الذي يرفع سيفه ليحارب شجرة، أو ذاك الذي يرفع حذاءه ليحارب سفيراً، أو الآخر الذي يرفع عقيرته دون حياء أو خجل ليدافع عن أعتى طاغية في وقتنا المعاصر، أم نحن شعب مسكين منكوب ضحية نواب أفرزتهم العلاقات الفاسدة والأموال السياسية والتحالفات “القطبية” فدفعوا بنا دفعاً لأن نكون صورة منهم، كلامنا من كلامهم، تصرفاتنا من تصرفاتهم، عنفنا اللفظي بل والجسدي صور معكوسة من عنفهم وسقوط أساليبهم؟

غير واضح حقيقة من منا أفرز الثاني، نلوم أنفسنا فنقول “كما تكونون يولى عليكم” ثم نعود فنقول نحن ضحية لعبة أكبر منا، فلا حول لنا فيها ولا قوة. كل موسم انتخابات ترتفع العقائر بما لذ وطاب من الخطب الأخلاقية، كل رجل في الكويت يصبح مانديلا، كل امرأة تصبح هدى شعراوي، فتجدنا جميعاً نتحدث عن اختيار الأصلح، عن نبذ كل العنصريات والتخندقات، نشتكي من أعماق حناجرنا هؤلاء الذين يبيعون أصواتهم ويصوتون لطوائفهم وأسرهم وقبائلهم، ثم فجأة، تظهر نتائج التصويت وكأننا جميعاً نعمل سخرة عند هؤلاء النواب، نصوت لهم على الأسس المريعة التي قدموا أنفسهم لنا بها، والمنة علينا. أين هي الفجوة؟ من الذي يصنع هذه الفجوة بين شكوانا وكلامنا وشعاراتنا، وبين ما يحدث على أرض الواقع في النهاية؟ كانت صدمة العديد من الأميركيين عنيفة بنجاح ترامب، فالاستطلاعات كلها كانت تدلل على سقوطه، وعندما نجح، تواجه الأميركيون والحقيقة القاسية، فهموا أن بينهم من يقول شيئاً في الاستطلاع حياءً ويفعل نقيضه عند التصويت مصلحة. أميركا قائمة على قدم وساق بسبب هذا التناقض والتضارب، بسبب هذه الخدعة التي استخدمها الأميركيون ليوصلوا “خفية” من يتحدث باسم أعمق عنصريات وآفات النفس البشرية، ونحن، والمعذرة من القراء، منعدمو الإحساس، كل موسم نطبل ونزمر، ثم نوصل ذات “الترامبات” ولا حياء ولا خجل. هو اعتيادنا أن نتناقض هكذا عيني عينك، أم هي فعلاً خدعة، نحن نصوت باتجاه، والفساد يأخذ النتائج باتجاه؟ ما عدنا نعرف والله.

تتجاور الآن الصورتان في مخيلتي، صورة المواطنة الغيورة التي صدحت في فيديو سجلته، وهي تضطهد شاباً مسكيناً يتعبد على الشاطئ بعيداً عن الأعين، وصورة النائب الشجاع الذي ناضل لإزالة شجرة الكريسماس من إحدى الجمعيات، من منهما أفرز الآخر؟ من هو السبب ومن هو النتيجة؟ هاتان الصورتان مجرد مثال مبسط مصغر لآلاف الصور المتراكمة، صور بيض ودجاج، لا نعرف أيتها كانت البداية وأيتها كان النتيجة اللاحقة، كل ما نعرف هو أننا نعيش في دوامة من المتناقضات، ونتبادل “النقيق” مثل دجاج وضع بيضاً أكبر منه، وما عاد قادراً أن يربض عليه. مساكين نحن أم مخربون؟ لا ندري!