هكذا هي منذ عرفتها، يجتمع جمالها بخفة روحها فيختفي تحتهما كل ألم، لم أرها في يوم بلا ابتسامتها الواسعة ومرحها المتدفق ونشاطها المتألق. عندما أكون معها أصبح شخصاً أفضل، صديقة أفضل، فهي تجلب السعادة لصحبتها بروحها و”ببساطها الأحمدي”، تفرشه بطبيعتها البسيطة على أرضية بيتها الأنيق لتجلس عليه مع ضيوفها، فتنقلب الحال سريعاً، يصبح الضيوف أصحاب بيت، فيهبط إلى علياء بساطتها من أتى محملاً برسمياته واعتباراته، يضحك الجميع بصدق وبلا تكلف، تتطاير الحكايا وتنتشر السعادة، لأنها هي، طبيعتها تكفي لأن تخلق كل هذا الجو وتعيشه وتسحب إليه كل من هم في صحبتها.
ولأنها هي كذلك، أنسى أحياناً أنها إنسانة، لها آلامها وأحزانها ومصادر قلقها. ذات مرة، أصيبت صغيرتها بحادث سمعنا عنه بعد فترة منها وبابتسامة مطمئنة شاكرة أن تحسنت صغيرتها وطابت. في حياتها، تبدأ بتقديم السعادة، وإن صادفتها أحزان، تحتفظ بها لنفسها حتى تخفت، وبعد أن تخفت تذكرها لأصحابها شاكرة حظها مبتسمة في وجه قدرها أن رحمها وأحبتها.
رأيتها على أرض المعركة الإنسانية، في رحلة “مجموعة ليان” إلى طرابلس والتي زرنا خلالها عدداً من الأسر السورية اللاجئة. في المطار سارعت لشراء كميات كبيرة من الكاكاو والحلويات وخرجت تترنح بأكياسها ونحن جميعاً نضحك على هذه الجميلة المحملة بالحلوى كأنها بابا نويل في كريسمسه. كلما اقتربنا من أحد البيوت المهدمة، أخذت نفساً عميقاً، ترسم ابتسامة خلابة، تخرج أسلحتها، الحلوى والكاكاو، وتقتحم أرض الأسرة، وعندما تخرج، تسمع خلفها أًصوات الأطفال يمرحون سعادة بالحلوى والكبار بما قدمته وترفض الإفصاح عنه، ثم تنزوي هي ماسحة دموع تغلبها للحظة، فتقاومها وتعاندها حتى لتكاد تراها بعد زيارة كل أسرة في حرب صغيرة بينها وبين غصة حلقها.
أعلم أنها ترفض ذكري لنشاطها الإنساني، لكنها شاركتني كل قضية إنسانية اهتممت بها. تشعر بها وقلبها يعتصر بين ضلوعها، ثم سرعان ما تشيح الألم بابتسامة وتفكر “بالأكشن” الذي يمكنها أن تأتيه. بهدوء تتحرك، بصمت لا يكسره سوى ابتسامتها، كم أرسلت المراسيل الى بيتها، كم خابرتها أطلب هذا أو ذاك، أقول في نفسي لابد أنها تلعن الساعة التي عرفتني فيها، وما إن ألتقيها مجدداً، حتى تأتيني ذات الابتسامة، ويلفني ذات الحضن، رضا ما بعده رضا يحوطني منها فيقدرني ويجرئني على استغلال مساحات قلبها التي يبدو أنها لا يمكن أن تمتلئ أبداً، فهناك دوماً مساحة جديدة لمن لا يجد مأوى.
قبل أيام، زرت معرض “بيت الياسمين” الذي يذهب ريعه لمساعدة اللاجئين السوريين، كانت تقف هناك، ذات الابتسامة، ذات النشاط، محملة بقدور ورق العنب صنع يديها ليقدم ريعه للمعرض. بعد أن أخذتنا السوالف سألتها أين ستكون غداً لأنني أريد رؤيتها في المعرض مجدداً، على استحياء وبابتسامة أرادت منها أن تعبر عن ضحالة الموضوع: سأكون في المستشفى. بين ضحكاتها، أخبرتني أنها قد أُدخلت المستشفى منذ صباح اليوم، لكنها خرجت سريعاً لتحضر المعرض وتقدم ورق عنبها وتنثر ضحكاتها وتؤكد أملها وتعبر عن حبها للشام الأصيل ثم تعود للسرير الأبيض وتسلم نفسها لمشرط الجراح. هكذا ببساطة، تخبرني القصة وكأنها تحكي مشوارين تود إنجازهما. ماذا تقول أمام شجاعة جميلة وجمال شجاع كهذا؟ احتضنتها وخانني قلبي وسمحت هي لدمعة أن تسقط، لتعقبها بإحدى ضحكاتها التي لا يقدر عليها سواها، ثم قلبت الموضوع هزلاً واندفعت نحو هذه الصديقة ترحب بها وتلك تقبلها وأنا أقف أحمل أكياس الزعتر وزيت الزيتون وأرقبها، وأشهد بدهشة وغيظ كيف تحول هذه الإنسانة أحزانها وقلقها إلى نهار دافئ يظلل من يقف في حضرتها. دلع المفتي، كاتبة القبس المتألقة، روائية شاعرية، صديقتي الحبيبة، رفيقة العمل الإنساني، صاحبة أدفأ بيت في الكويت، وأجمل ابتسامة وأقوى إرادة: قومي بالسلامة سريعاً، فالأمل يتجدد بك، والدنيا تحلو بصحبتك، وشخصياً، تعاودني ثقتي بالإنسانية في كل مرة أراك.