في المجتمعات الأبوية، ومعظم مجتمعات العالم كذلك وإن تفاوتت الدرجات، تختبر المرأة العاملة في المجال العام، سواءً كان سياسياً أو مجتمعياً أو اقتصادياً أو غيره، تجربة مميزة تبوح بالكثير حول المجتمع ومعضلاته الأخلاقية، يكتب المجتمع تجربته فعلياً على صورة المرأة وجسدها، يكشف عن أخلاقياته ومعضلاته من الطريقة التي يتعاطى بها والمرأة؛ لذا، نجد أن الحكم على المجتمع عادة ما يتأتى من الطريقة التي يتعاطى بها والمرأة، فنقول مثلاً هذا المجتمع متفتح ومتحرر عندما تكون المرأة فيه منطلقة الفرص متحررة من القيود، ونقول هذا المجتمع منغلق عندما تكون المرأة فيه حبيسة العادات والأدوار البيولوجية والمنزلية. في بدايات الظهور الجدي للمرأة الأديبة والناشطة في المجتمعات الغربية، أوائل القرن الخامس عشر، وقعت المرأة تحت ساطور التشريح الأخلاقي والشكلي، فحاربها المجتمع بالسخرية من شكلها والضرب في سمعتها اللهم إلا من نشطت في المجال الديني أو قدمت من أسرة ذات سلطة ليحميها الغطاء الديني والمجتمعي من الضرب والتشهير. ولا يزال التاريخ يكرر نفسه حتى بعد خمسمئة سنة من التطور والارتقاء الإنسانيين، ففي مجتمعاتنا العربية اليوم تشتد المعضلة الأخلاقية في كينونات مجتمعية تعيش التناقض والتمييز والتقييد الجنسيين في أعلى درجاتهما، ينظر هذا المجتمع بعين الريبة للمرأة البارزة، فيبدأ أول ما يبدأ بمساءلة وضعها الاجتماعي و”حالتها” الأخلاقية، وعندما يحين وقت الهجوم، وهو قادم لا محالة، يضرب الشارع جانبين: الجانب المظهري والجانب الشرفي، وليس أسهل من كسر المرأة (يعتقد الشارع) بالسخرية من شكلها والمساس بشرفها. ففي التكوينات المجتمعية التي تعول كثيراً على ملكية المرأة للرجل وتضع كل شرفها وأخلاقياتها في جسدها وحده، يصبح ضرب هذه المرأة ميسراً خصوصاً عندما يكون التصويب من جهة رجل، الإنسان الأعلى درجة حسب التصنيف المجتمعي. هنا، نجد أن تعليقات المجتمع عوضاً عن انصبابها تجاه تقييم أداء المرأة وفكرها، تنصب في تقييم شكلها ومظهرها بسخرية تقلل من جدية عملها. ثم تتجه هذه التعليقات لتسائل أخلاقها وشرفها، والأخيرة تحديداً تبدو فكرة مبدئية تنصب كلها عند المرأة ولا يحمل من “وزرها” الرجل شيئاً. فالرجل البارز مسموح في حياته الخاصة، حيث يعرف المجتمع عدد من الرجال البارزين الذين يمارسون من المساوئ الأخلاقية ما تنفر منه وتعف النفس الإنسانية، إلا أن الرجل حمال لعيوبه، بل لربما مشكور منصور بها، فهي دلائل انتصار ذكوري وحذاقة رجولية، وأما المرأة، فيكفي جنسها ليدينها، ويكفي ظهورها ليشكك بها. وفي حين أن هذا التناقض والنفاق المجتمعيين كثيراً ما كانا عوائق في طريق المرأة، إلا أن العديد من النساء اليوم تتخطاها بيسر، بعد أن هدم العصر الحديث الكثير من حوائط النفاق والتناقض تلك وهزم قواعدها الوهمية خصوصاً حين اكتشفت المرأة أنها حوائط من ورق صنعتها عقول شوفينية خبرت مخاوف المرأة وعرفت أين تضرب مواطن وجعها. ما يؤرق في الواقع هو ما يشخصه هذا التوجه من أمراض المجتمع وعلله، ففي حين أن المتأذي اليوم هو المرأة، إلا أن هذا مرض ممتد، سيتعدى بتناقضه وشوفينيته واعتلال قواعده هذه المرأة إلى المجتمع ككل، ليخلق منه مجتمعاً منافقاً، يظهر غير ما يبطن، يقيم البشر بالقشور، ويعزل الخيرين بالقهر والضغط النفسيين، أوليس هذا ديدن مجتمعاتنا العربية؟