تلك الأسباب التي تدفع بالأحزاب الدينية إلى علياء السلطة والقوة، هي ذاتها التي تهبط بها إلى حضيض الفشل وتقودها للتدمير الذاتي، فاستخدام المعتقد الديني سياسياً لافتراش السلطة يتطلب تقمصاً لصوت الإله وتوكيل النفس نيابة عن الخالق على الأرض مما يترتب عليه إباحة كل المحظورات من باب أن الغاية النبيلة، وأي غاية أعظم من غاية الإله التي، وبقدرة قادر، يعرفها الحزب الديني وكأنه موحى إليه، تبرر كل الوسائل القميئة التي لا تخلو لعبة سياسية منها.
فالحزب الديني عندما يقدم نفسه كبديل لقيادة الدولة يُسقط مباشرة المدنية ويعلي صوت الوحي، وهو صوت ويا للغرابة لا يسمعه غير قياداته، فيستمع الناس لهذا الصوت، يخشعون له ويخافونه بل يضحون من أجله، فهو صوت ترغيبي يعد بجنات لا تطولها شعوبنا المنكوبة، وهو صوت ترهيبي يهدد بجحيم لم تعد تحتمل التفكير به شعوبنا المسلوبة.
يطغى الخوف وتستبد الرغبة، فيحولان صوتا سياسيا فاشلا إلى صوت وحي منزل، وتبدأ الرحلة الرهيبة، إنه لمن المهيب حقاً مشاهدة كيف تدفع الأحزاب الدينية بالعامة لتنفيذ أجنداتها، وكيف تعمل على إخضاعهم بل إقناعهم، كيف تغسل عقولهم، وكيف تبرر لهم وحشية وسائلها مستخدمة صوت الوحي وضمير الخالق.
وها هو حزب الله اللبناني، بعد أن مجده العرب لمقاومته المشهود لها في الجنوب، يفترش المنطق ويمدد قدميه على رأسه، وبقدرة قادر، يتم تبرير قتالاته القديمة مع حركة أمل، تفهم أسباب تحركاته في 2006 والتي تسببت في مجزرة بشرية واقتصادية لم يفق منها لبنان الى اليوم، منطَقة إنزاله لميليشياته أمام جيش بلده اللبناني، بل وقبول تحركاته وضلوعه المريب في عدد من العمليات الترهيبية في المنطقة كاختطاف الطائرة الكويتية ووصولاً الى مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
لقد تم، وبطريقة مرعبة ما، تبرير وتجميل وتفسير كل ما سبق للناس، وبطريقة مرعبة ما كذلك، اقتنع الناس وناموا على وسادة رضا الخالق الموعود الذي يبشر به الحزب. قد يكون الإقناع حول كل ما سبق ممكناً، لا أدري كيف، ولكن قد يكون. الغريب المرعب والمستحيل الرهيب هنا أن يبقى الحزب قادراً على إقناع الناس بطهارة نواياه وسلامة طرقه ومسالكه ونقاء صوت الوحي الموصل له بينما هو يأخذ أوامره، وهو حزب لبناني، من إيران، ويستلم أسلحته من ترسانتها، ويتبع وبوضوح لا يطوله الخجل أجنداتها ومبتغاها.
أما القشة الأخيرة التي قصمت ظهر الحياء وكسرت كل المستحيلات هي أن يقف الحزب اليوم مع النظام السوري الدموي ضد الشعب المتظاهر الأعزل، فأي دليل أقوى نحتاج وأي صورة غارقة في الدموية نبتغي حتى نصحو من التنويم المغناطيسي فنعي أن الصوت الذي يرغبنا ويرهبنا به الحزب ما هو إلا صوت بندول الساعة تارة باتجاه رغباتنا وتارة باتجاه مخاوفنا؟ بأي وجه، تحت أي منطق، من أي منطلق إنساني، بأي استجداء ديني يمكننا أن نتفهم أو نبرر أو نمنطق وقوف الحزب مع نظام يقتل الأطفال وينكل بأجسادهم؟ لكن، الحزب اشترى حقوق الملكية لاسم الخالق، ويقوده سيد يمتد نسبه إلى أكرم الخلق، يرفع شعار الجهاد ويبشر “بالنصر الإلهي”، إذن لا بد أنه طريقنا إلى الجنة، ولو كان الطريق معبداً بأجساد الأطفال ومغسولاً بدماء القتلى.
نعم، تريد أن تحقق أغرب المآرب وتقنع الناس بأقسى الجرائم، دونك حالات النجاح المهيبة عندنا، من إخوان مسلمين إلى حزب الله، ودونك حالات القهر حولنا من متظاهري سورية إلى متظاهري البحرين، فما عليك إلا أن تكون حزبا وتعلن وحيه الديني، وتضع معمماً ملتحياً يقوده، فإذا بك تصنع الملايين، وتقود الملايين، وتزاحم أعتى السلطات وتقود الناس قطعاناً صاغرة، ولا تنسى، الموقع هو أهم العناصر، الشرق الأوسط مكانك، وأموال الخليج أو إيران سندك، ولا بأس، التجارة حلال.