يتحدث ريتشارد شيكنر في كتابه Performance Studies حول مفهوم «القيم» فيقول (الترجمة لي): «إن القيم التي تقود البشر ليست «طبيعية»، فوق الوجود المادي، معطاة من الله، أو غير قابلة للتغيير… تنتمي القيم للإيديولوجية، للمجتمع، للعلوم، للفنون، للدين، ولغيرها من مجالات المساعي الإنسانية… القيم صعبة المنال ومشروطة، تتغير مع الوقت طبقاً للظروف الاجتماعية والتاريخية. القيم هي أداء المجتمعات، الجماعات، والأفراد. يمكن أن تستخدم القيم لتحمي وتحرر أو لتتحكم وتضطهد». طبقاً لهذا التعريف، فان هناك الكثير مما يجب أن يقلقنا حيال تلك العوامل التي تشكل قيمنا نظراً لطبيعة القيم الحالية التي تهيمن على مجتمعنا.
ففي مراجعة لتفاعلنا مع الأحداث التي حولنا نجد أن المصلحة والحسابات الشخصية والضغينة القديمة لا تزال جميعها «قيماً» تشكل ردود أفعالنا، وبالرغم من أن بشريتنا تحتم علينا استسلاماً بدرجة للمصلحة والضغينة، فإن تقدير هذين بصورة غالبة على حواسنا يخلق مشكلة «قيمية» في صنع مواقفنا التي باتت في معظمها تتشكل بعنصرية لا إنسانية سقيمة. ليست تلك تهمة بقدر ما هي معاناة نفسية قد يكون للغزو الغاشم اليد الطولى في تكوينها، وقد تكون للظروف الإقليمية غير المستقرة المساهمة الكبرى في تعميقها، المهم أننا نعاني عبئا نفسيا ثقيلا ينعكس على مواقفنا وردود أفعالنا تجاه مواقف لا تحتمل سوى التعاضد الإنساني الخالص. فمثلاً، نجد أننا بالرغم من تعاطفنا مع الشعب المصري، فإننا نولي قدراً من التعاطف كذلك للرئيس المخلوع حسني مبارك ليس مقروناً بأفعالة أو إدارته لبلده ولكن بموقفه تجاه الكويت في محنة الغزو، وبالرغم من أهمية هذا الموقف فإنه يتضاءل تماماً أمام شمولية النظام السابق الذي حطم المصريين نفسياً واقتصادياً، وعدم قدرتنا على بناء موقف خارج حدود إطار مصلحتنا ينم عن أنانية خطيرة هادمة للنفس.
موقفنا تجاه الأحداث الليبية أكثر خطورة، فالرسائل الإلكترونية الدائرة تحمل الكثير من التشفي تجاه القذافي بسبب موقفه من الغزو عن حملها لموقف سياسي إنساني صلب يؤيد الثورة الليبية التي طال انتظارها على نظام ليس شمولياً، قمعياً، نهاباً فقط، لكنه نظام، وبأكمله، ساقط عقلياً، حتى ليبدو أن البلد كان يدار من قبل حفنة من المرضى بشيزوفرينيا ونرجسية صارختين.
عدم قدرتنا على توجيه سخطنا تجاه شمولية وجنونية حكم القذافي عوضاً عن تشفينا فيه علامة خطيرة على غياب الصورة بكل أبعادها عن مرمى أبصارنا التي حبستها تجربتنا المريرة، ولما يزيد على العشرين سنة في سجن الضغينة والرغبة في الانتقام.
ثم هناك كارثة التعامل مع أحداث البحرين الشقيق، والتي هي العارض الأخطر لمعاناتنا النفسية القائمة، ويقترب الخطر منا كثيراً مع أحداث البحرين، فنفزع لنجد تبريرات تريحنا وتنوم ضمائرنا. بكل بساطة هو التدخل الإيراني في المنطقة، هؤلاء الفرس الغرباء هم من يعيث في أرضنا فساداً، وننسى أن الفساد لا يدخل إلا إذا فتحنا له الباب، وأن القمع والظلم هما دوماً صناعة محلية لا دخل للغرباء في استتبابهما. نغض النظر عن الثمانين في المئة من البحرينيين الشيعة المهمشين في بلدهم، يعيشون الفقر المدقع ويعانون الظلم والإقصاء بسبب من مذهبهم… «ندهن» منطقة الألم بكريم المذهبية المخدر، ونستخدم إيران، كما نستخدم إسرائيل، لنبرئ أنفسنا من دورنا في ما يتعرض له إخواننا من بلاء، بل نزايد على بلائهم بلومهم شخصياً في صنعه.
ونختمها، حالياً، بموقفنا من إخواننا البدون، فنعري هذا الموقف من أقل البوادر الإنسانية، نتشفى ونقسو حتى يضيع هذا الحنان الإنساني الغرائزي مستبدلين إياه بقسوة تعززها طائفية وطبقية تهبط بنا إلى ما هو دون الإنسانية «الطبيعية» بكثير. مرضى نبدو في ردود أفعالنا وبحاجة سريعة لمعالجة نفوسنا من تلك الشوائب التي أصابنا بها الزمن وتجاربه القاسية.
بحاجة نحن لإعادة بناء قيمنا، وذلك بمراجعة العوامل التي نبني بها هذه القيم: نعيد النظر في فكرنا المجتمعي في علومنا، بل في فهمنا وممارساتنا الدينية، فدون إعادة للتقييم وتصويب للقيم سنبقى نرزخ تحت وطأة الكراهية والضغينة، وكلاهما لا تأكل سوى نفوس أصحابها، فلنسرع قبل أن تصبح العوارض أمراضا مزمنة لا فكاك منها.
«آخر شي:» تعاملنا الهستيري مع المنحة ونشر الشائعات حول المزيد من العطايا المالية، ماذا يقول كل ذلك عن قيمنا؟
«آخر آخر شي»: كل عام والكويت وأهلها بخير ومحبة وأمان، أوقات الفرح مدعاة لتذكر أحزان الآخرين ومعاناتهم والتفاعل معهم، فلا بأس في أن نستخدم أفراحنا في تطييب نفوس وإفراح قلوب غابت عنها البهجة منذ زمن، وأي وقت أجمل من هذا لنفعل؟