نحمد الله على نعمة القضاء الكويتي، الذي يثبت، رغم كل النقد والتشكك، واللذين هما مستحقان ومستوجبان ومن حق الناس، أنه لا يزال يقف عادلاً إلى أقصى الحدود الممكنة، حامياً للناس، مسنداً ما لا سند أو ظهر أو حماية له. ليت بالإمكان تحويل كل الموضوع «البدوني» إلى القضاء، هذا التحويل الذي هو أحد الحلول المطروحة منذ زمن طويل.
أحد أعقد المشاكل في الكويت هو انخفاض، إن لم يكن انعدام، نسبة الشفافية في العمل والممارسات الحكومية. هذه الضبابية لا تتسبب في مشاكل عدة مثل انتشار الإشاعات وتزايد اللغط بين الناس وتوجيه تصرفاتهم بشكل مغلوط ومرتبك فقط، إنما هي تزعزع الثقة بين الناس وحكوماتها بشكل كبير، مما يجعل الشعب متربصاً دوماً بالحكومة، والحكومة متربصة دوماً بردات فعل الشعب.
الشاب البدون محمد العنزي تم القبض عليه والتحقيق معه بتهمة التخابر مع “داعش” ومحاولة حيازة سلاح ومن ثم القيام بمحاولة اغتيال السيد صالح الفضالة، إلا أن “الله ستر” كما جاء على لسان السيد الفضالة في مكالمته الهاتفية مع السيدة فجر السعيد من خلال برنامجها التلفزيوني. السيد الفضالة شرح ملابسات اتهام والقبض على الشاب العنزي، ثم أشار إلى أنه “جندي من جنود هذا الوطن” وأنه إن ذهب، لا قدر الله، سيأتي غيره. تم بعدها الإفراج عن هذا الشاب بدون كفالة حيث “أصدر النائب العام ضرار العسعوسي قراره بحفظ البلاغ في قضية اغتيال صالح الفضالة المتهم فيها الشاب البدون محمد العنزي، واستبعاد شبهة جناية الإضرار بأمن الدولة الداخلي وإلغاء رقم الجناية وقيد الأوراق في دفتر الشكاوى وحفظها إدارياً”، كما ورد في صحيفة الراي، وهي ذات الصحيفة التي نشرت الخبر مبدئياً، ثم عادت لتؤكد، بعد ورود خبر الإفراج عن الشاب البدون، أن السيد الفضالة لم يرفع أي قضايا ضد الشاب البدون، في حين أن السيد الفضالة تحدث عن محاولة مباشرة لاغتياله على برنامج السيدة فجر السعيد، وإن لم يشر إلى رفع قضايا. طيب، أين الحقيقة؟
الحكومة تقول إنها تحيل الموضوع كله إلى التحقيق، ونحن نعلم أن ضرراً لن يطال الكبار، فالمعني بالأمر شاب بدون، تم اتهامه بتهمة أمن دولة وحبسه أياماً على ذمة التحقيق، ما المشكلة؟ هل ستحاسب الدولة السيد الفضالة على تصريحه التلفزيوني أو الجهات الحكومية على اتهام وحبس الشاب أو نواب مجلس الأمة على تصريحاتهم المتسرعة المتشفية بفئة البدون؟ لا طبعاً، من هم البدون وما تأثيرهم حتى يتم اتخاذ إجراء حقيقي لرد اعتبار أحد شبابهم ومحاسبة المدعين عليه؟
نحمد الله على نعمة القضاء الكويتي، الذي يثبت، رغم كل النقد والتشكك، واللذين هما مستحقان ومستوجبان ومن حق الناس، أنه لا يزال يقف عادلاً إلى أقصى الحدود الممكنة، حامياً للناس، مسنداً ما لا سند أو ظهر أو حماية له. ليت بالإمكان تحويل كل الموضوع “البدوني” إلى القضاء، هذا التحويل الذي هو أحد الحلول المطروحة منذ زمن طويل، والذي لا يلقى صدى أو تجاوباً والسبب لربما واضح بَيِّن.
الحمد لله على سلامة محمد العنزي، ستعتبر الحكومة أن مصابه ما هو سوى أضرار جانبية، مخلفات حرب، لا فراراً من أن يدفع الطرف الأضعف ثمنها. لن يُحاسَب أحد، لا من شهّر بالفتى إعلامياً، ولا من اتهمه علناً ولا من صرح به وبفئته بتشفٍّ، وسيبقى “جنود الوطن” ينظرون بتشكك ولربما بكراهية تجاه محمد الذي أحرجهم ببراءته وحفظ قضيته، تلك التي كانت الفرصة الذهبية لقلب الشارع، المقلوب أصلاً، على البدون وقضيتهم ووجودهم بأكمله. ولربما أختم بتحذير طالما نجمنا به كناشطين ومهتمين بالموضوع، إذا تركتم فراغاً في قلوب وحيوات الشباب البدون هؤلاء، فسيكونون لقمة سائغة للجماعات المتطرفة والعنيفة، ولن يقع الملام بأكمله وجله وكل جوانبه إلا عليكم. محمد بريء، لكن هل يا ترى سيفلت الشباب القادم من قبضة هدر الحياة وضياع الأمل؟